* مشكلتنا أن الوطنية وحب الوطن أختزل في الولاء للسلطة، ومن ثم اختزلت السلطة في الولاء للأفراد.. ورُبط الولاء – جُزافاً- بالمصادقة والموافقة على كل أفعال السلطة، وهذا المفهوم القاصر ليس طارئاً بل هو امتداد للمفهوم الجاهلي للقبيلة.. حيث لا صوت يعلو على صوت المشايخ، ولا مكانة للفرد إلا كجزء من جماعة !
* من حقوقك ، وواجباتك، أن تناقش القضايا العامة بجرأة، وعادةً ما يترافق ذلك مع هجمات لاذعة، غير مستحبة ضد الحكومة والسلطة، لا تعني ذلك - ولا يجب أن تُفسر- بأنك غير موالً.. إنما تعني بأنك مواطن فاعل، مواطن حيٌ، له صوت وإرادة ، مشاركٌ لا تابع ..وليس فرداً في قبيلة . * الآن: ما هي المواطنة.. وما معنى المعارضة.. وما هي المولاة – حقا- تعرفون ؟
* المعارضون ليسوا أعداء النظام وعملاء لأعدائه.. وليسوا هنا لزعزعة الأمن والنيل من الثوابت وهيبة النظام " وهذا الكلام الممجوج الذي صار نشيدا وطنيا".. فعندما انتقد ممارساتك لا يعني ذلك إني أريد محوك وإلغاءك أو أرى بوجود بديل أفضل منك.. بل يعني إني استحثك لتتوقف عما تفعل، أو تحسن ممارساتك وقراراتك..
* المواطن الصالح يرى بأنه الوطن॥ وأنه مسئول – بشكل مباشر- عن الوطن.. لا تابع ولا كومبارس ولا .. فرد من قطيع..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في فيلم الإرهاب والكباب يتوجه عادل إمام إلى مجمع الوزارات لينهي إجراءات نقل ابنه من مدرسة لأخرى فيصطدم بالبيروقراطية ويجد نفسه فجأة متورطًا في حمل سلاح واحتجاز رهائن॥ تأتي قوات الشرطة لتحاصر المكان يتزعمهم وزير الداخلية نفسه " الذي أدى كمال الشناوي دوره ببراعة" ويبدأ في التفاوض مع البطل وعندما يسأله عن مطالبه رغبةً في لملمة الأمر يحّار هذا الأخير ويطلب " كباباً"..
هذا الإسقاط الفذّ للكاتب وحيد حامد يمكن قراءته من زاوية أن هموم المواطن – بشكل أساسي- معيشيةٌ.. وهناك زاوية أخرى أكثر عمقاً يمكن تأملها: وهي أن المواطن المحتقن ، الذي تتناهشه عشرات الهموم والرزايا، إن دقت ساعة تعبيره عن رأيه وفرض إرادته فإنه يتلعثم.. وقلما يستطيع تشخيص علّة وضعه أو التعبير عن إرادته بدقة..
****
هي مشكلة أكثر رسوخاً وانتشارا مما نظن.. فنحن شعوب خديجة الوعي لم تتبلور رؤيتها لنفسها وللآخر بعد.. لم تبلور حتى أبسط المفاهيم كالمواطنة وحدودها وكيف تُمارس.. وذلك لم يحدث صدفةً على أية حال، فالمؤسسات التعليمية والإعلامية هي من يشوش - بشكل منهجي ومنظم- مفاهيم الولاء والمواطنة.. وهما من يحرص على تحريف مفهوم المعارضة ليكون غائماً ومخجلاً لخلق فجوة في وعي الناس تمكن السلطة من السيادة دون منغصات..
فالصراع الأزلي بين السلطة والشعوب على المكاسب والنفوذ " وهو صراع فطري مشروع موجودة في ارسخ الديمقراطيات" حُسم في مجتمعاتنا مبكراً عندما اُختزلت الوطنية وحب الوطن في الولاء للسلطة ، واختزلت السلطة في الولاء للأفراد.. ورُبط الولاء – جُزافاً- بالمصادقة والموافقة على كل رغبات وأفعال السلطة.. وهذا المفهوم القاصر ليس طارئاً بل هو منحدر من المفهوم الجاهلي القبيلة.. حيث لا صوت يعلو على صوت المشايخ ، ولا مكانة للفرد إلا كجزء من قطيع، ينسجم بمقدار ما يذعن للإرادة العامة ويستحق مكتسباته بمقدار ما يذوب في الجماعة .. !
الخبر التعيس هنا أننا لسنا قبيلة ، ومجتمعنا أكثر تعقيداً من أن يُدار بفكر القبلية، ونحن لا نعيش في خيام ولا نستخدم الجمال ولا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن لغة العصر.. نحن دول عصرية نتمظهر بمظهر ديمقراطي وبالتالي يجب أن نرقى لما ندعيه.. الولاء هو ولاء للدولة، ولأفراد ورموز بقدر ما يخدم هؤلاء الدولة، والتجاذب والصراع على المصالح في الدول العصرية يحسمه التوافق المجتمعي - لا الإرادة الفوقية- مناقشة القضايا العامة دون كبت هو جزء من حقوق المواطن، ومن واجباته أيضاً، وعادةً ما يترافق ذلك مع هجمات لاذعة، غير مستحبة ضد الحكومة والسلطة، ولكن ذلك لا يعني، ولا يجب أن يُفسر بأي حال انك لست بموال إنما يعني ذلك بأنك مواطن فاعل، مواطن حيٌ له صوت ورأي وإرادة ، مشاركٌ لا تابع ..وليس حتماً فرداً في قبيلة .
****
الآن: ما هي المواطنة.. وما هي المعارضة.. وما هي المولاة؟
لنبدأ بمفهوم المعارضة الذي هو بلا ريب أكثر المفاهيم التي تعرضت للتدمير. فالمعارضة وفقاً للفهم الشعبي هي مناوئة ومشاكسة النظام في كل خطواته.وهناك مستوى أخطر لمفهوم المعارضة مزروع في الوعي الثاوي وهو أن المعارضين هم أعداء النظام وعملاء لأعدائه ! وبالتالي فهم ينتهجون كل طريق للوصول للسلطة وإسقاط النظام أو إحراجه أو تقليل هيبته على الأقل.. هذا بالطبع تشويه لمفهوم قامت عليه نهضة الدول بدأ بتحريف الكلمة ذاتها.. فمفردة "المعارضة" هي ترجمة غير دقيقة لكلمة ((opposition وترجمتها الحرفية هي " المقابلون أو الموازون"..لذا فالمفهوم الدقيق - لما أصطلح عليه عربيا بالمعارضة- أنهم قوى مجتمعية تقدم برامج ورؤى مغايرة ومقابلة لبرامج سياسية قائمة. فالمعارضون ليس هنا لزعزعة الأمن والنيل من الثوابت والمكتسبات وهيبة النظام " وهذا الكلام الممجوج الذي صار نشيدا وطنيا" بل هم موجودون لأنهم يعشقون بلادهم ولديهم تطلعات لغد أفضل. في الدول المتحضرة تلعب الصحف والقوى الوطنية وجماعات الضغط دور ما نسميه معارضة هنا.. لا لأنهم هدامون عادون بل هم لأنهم موالون وموالون جداً ووطنيون ووطنيون جدا.. وفي الجهة المقابلة مفهوم الموالاة نفسه غائم وملتبس أيضاً, صاغه هنا للأسف المرتزقة والمنتفعون والوصوليون والمكتسبون الذين يدّعون حب البلاد والدفاع عن النظام في حين إنهم يدافعون عن مكاسبهم الشخصية وامتيازاتهم " مثال عابر: عندما يقرر أحدهم تجنيد قلمه لتمجيد السلطة وشخوصها والأطناب في تنزيههم وإسقاط منتقديهم من سيكون المستفيد يا ترى.. هو أم الشعب ؟!".. في عودة لمفهوم المواطن الموالي نقول أن الموالي " للوطن" لا يقبل بالاعوجاج، ويريد الأفضل والأتم والأصلح لبلاده ، ولا علاقة لذلك بعداء شخوص السلطة بالمناسبة " وهو مفهوم أضافي ملتبس" فعندما انتقد تصرفاتك وممارساتك لا يعني إنني أريد محوك وإلغاءك من المشهد ولا يعني ذلك بأني أخطط أو أرى بوجود بديل أفضل منك.. بل يعني إني استحثك لتتوقف عما تفعل، أو تحسن ممارساتك أو تنتبه لمغبة بعض قراراتك.. كل المواطنين يحبون قيادتهم ولا يريدون عنها بديلا، ولكن حبهم ذاك لا يجب أن يترجم بالخنوع والسلبية والحياة كرعايا لا كمواطنين !
****
مشكلتنا الأم أننا مولعون باختراع العجلة..!!
فنحن نعيش اليوم ذات المرحلة التي عاشها الغرب في 1735 !! المواطن الصالح هو المواطن الوديع، أما المواطن اللجوج المشكك في نزاهة وموثوقية المسئولين فهو خائن وتنتظره قائمة من التهم كالتحريض وإثارة الفتنة والخيانة والهرطقة !!
لقد وصل العالم اليوم ، بعد تاريخ ممتد من التجربة والخطأ والصراعات الدموية لصيغة مقبولة للمواطنة.. وليس من المعقول أن نأتي اليوم ،وقد استقرت المفاهيم وتبلورت، لنبدأ من الصفر ونخترع العجلة والناس تقود سيارات ومركبات فضائية..!
المواطنة تعني الفاعلية، لا أن تكون إمعّه.. المواطن الصالح هناك يستنهض التغيير ويحارب القيم الفاسدة وينتفض لانتهاك حرمات العدل والحرية والمساواة وإن لم يكن هو الضحية لعلمه – بالفطرة- أن الدور سيأتيه إن قبل بظلم غيره.. فالمواطن الصالح لا ينظر لمصلحته فقط - بل ينظر لمصلحة حتى الأجيال التي تليه- يستنطق الحقيقة ويتعامل على انه الوطن وأنة مسئول – بشكل مباشر- عن الوطن.. لا تابع ولا كومبارس ولا .. فرد من قطيع..
والله من وراء القصد
في فيلم الإرهاب والكباب يتوجه عادل إمام إلى مجمع الوزارات لينهي إجراءات نقل ابنه من مدرسة لأخرى فيصطدم بالبيروقراطية ويجد نفسه فجأة متورطًا في حمل سلاح واحتجاز رهائن॥ تأتي قوات الشرطة لتحاصر المكان يتزعمهم وزير الداخلية نفسه " الذي أدى كمال الشناوي دوره ببراعة" ويبدأ في التفاوض مع البطل وعندما يسأله عن مطالبه رغبةً في لملمة الأمر يحّار هذا الأخير ويطلب " كباباً"..
هذا الإسقاط الفذّ للكاتب وحيد حامد يمكن قراءته من زاوية أن هموم المواطن – بشكل أساسي- معيشيةٌ.. وهناك زاوية أخرى أكثر عمقاً يمكن تأملها: وهي أن المواطن المحتقن ، الذي تتناهشه عشرات الهموم والرزايا، إن دقت ساعة تعبيره عن رأيه وفرض إرادته فإنه يتلعثم.. وقلما يستطيع تشخيص علّة وضعه أو التعبير عن إرادته بدقة..
****
هي مشكلة أكثر رسوخاً وانتشارا مما نظن.. فنحن شعوب خديجة الوعي لم تتبلور رؤيتها لنفسها وللآخر بعد.. لم تبلور حتى أبسط المفاهيم كالمواطنة وحدودها وكيف تُمارس.. وذلك لم يحدث صدفةً على أية حال، فالمؤسسات التعليمية والإعلامية هي من يشوش - بشكل منهجي ومنظم- مفاهيم الولاء والمواطنة.. وهما من يحرص على تحريف مفهوم المعارضة ليكون غائماً ومخجلاً لخلق فجوة في وعي الناس تمكن السلطة من السيادة دون منغصات..
فالصراع الأزلي بين السلطة والشعوب على المكاسب والنفوذ " وهو صراع فطري مشروع موجودة في ارسخ الديمقراطيات" حُسم في مجتمعاتنا مبكراً عندما اُختزلت الوطنية وحب الوطن في الولاء للسلطة ، واختزلت السلطة في الولاء للأفراد.. ورُبط الولاء – جُزافاً- بالمصادقة والموافقة على كل رغبات وأفعال السلطة.. وهذا المفهوم القاصر ليس طارئاً بل هو منحدر من المفهوم الجاهلي القبيلة.. حيث لا صوت يعلو على صوت المشايخ ، ولا مكانة للفرد إلا كجزء من قطيع، ينسجم بمقدار ما يذعن للإرادة العامة ويستحق مكتسباته بمقدار ما يذوب في الجماعة .. !
الخبر التعيس هنا أننا لسنا قبيلة ، ومجتمعنا أكثر تعقيداً من أن يُدار بفكر القبلية، ونحن لا نعيش في خيام ولا نستخدم الجمال ولا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن لغة العصر.. نحن دول عصرية نتمظهر بمظهر ديمقراطي وبالتالي يجب أن نرقى لما ندعيه.. الولاء هو ولاء للدولة، ولأفراد ورموز بقدر ما يخدم هؤلاء الدولة، والتجاذب والصراع على المصالح في الدول العصرية يحسمه التوافق المجتمعي - لا الإرادة الفوقية- مناقشة القضايا العامة دون كبت هو جزء من حقوق المواطن، ومن واجباته أيضاً، وعادةً ما يترافق ذلك مع هجمات لاذعة، غير مستحبة ضد الحكومة والسلطة، ولكن ذلك لا يعني، ولا يجب أن يُفسر بأي حال انك لست بموال إنما يعني ذلك بأنك مواطن فاعل، مواطن حيٌ له صوت ورأي وإرادة ، مشاركٌ لا تابع ..وليس حتماً فرداً في قبيلة .
****
الآن: ما هي المواطنة.. وما هي المعارضة.. وما هي المولاة؟
لنبدأ بمفهوم المعارضة الذي هو بلا ريب أكثر المفاهيم التي تعرضت للتدمير. فالمعارضة وفقاً للفهم الشعبي هي مناوئة ومشاكسة النظام في كل خطواته.وهناك مستوى أخطر لمفهوم المعارضة مزروع في الوعي الثاوي وهو أن المعارضين هم أعداء النظام وعملاء لأعدائه ! وبالتالي فهم ينتهجون كل طريق للوصول للسلطة وإسقاط النظام أو إحراجه أو تقليل هيبته على الأقل.. هذا بالطبع تشويه لمفهوم قامت عليه نهضة الدول بدأ بتحريف الكلمة ذاتها.. فمفردة "المعارضة" هي ترجمة غير دقيقة لكلمة ((opposition وترجمتها الحرفية هي " المقابلون أو الموازون"..لذا فالمفهوم الدقيق - لما أصطلح عليه عربيا بالمعارضة- أنهم قوى مجتمعية تقدم برامج ورؤى مغايرة ومقابلة لبرامج سياسية قائمة. فالمعارضون ليس هنا لزعزعة الأمن والنيل من الثوابت والمكتسبات وهيبة النظام " وهذا الكلام الممجوج الذي صار نشيدا وطنيا" بل هم موجودون لأنهم يعشقون بلادهم ولديهم تطلعات لغد أفضل. في الدول المتحضرة تلعب الصحف والقوى الوطنية وجماعات الضغط دور ما نسميه معارضة هنا.. لا لأنهم هدامون عادون بل هم لأنهم موالون وموالون جداً ووطنيون ووطنيون جدا.. وفي الجهة المقابلة مفهوم الموالاة نفسه غائم وملتبس أيضاً, صاغه هنا للأسف المرتزقة والمنتفعون والوصوليون والمكتسبون الذين يدّعون حب البلاد والدفاع عن النظام في حين إنهم يدافعون عن مكاسبهم الشخصية وامتيازاتهم " مثال عابر: عندما يقرر أحدهم تجنيد قلمه لتمجيد السلطة وشخوصها والأطناب في تنزيههم وإسقاط منتقديهم من سيكون المستفيد يا ترى.. هو أم الشعب ؟!".. في عودة لمفهوم المواطن الموالي نقول أن الموالي " للوطن" لا يقبل بالاعوجاج، ويريد الأفضل والأتم والأصلح لبلاده ، ولا علاقة لذلك بعداء شخوص السلطة بالمناسبة " وهو مفهوم أضافي ملتبس" فعندما انتقد تصرفاتك وممارساتك لا يعني إنني أريد محوك وإلغاءك من المشهد ولا يعني ذلك بأني أخطط أو أرى بوجود بديل أفضل منك.. بل يعني إني استحثك لتتوقف عما تفعل، أو تحسن ممارساتك أو تنتبه لمغبة بعض قراراتك.. كل المواطنين يحبون قيادتهم ولا يريدون عنها بديلا، ولكن حبهم ذاك لا يجب أن يترجم بالخنوع والسلبية والحياة كرعايا لا كمواطنين !
****
مشكلتنا الأم أننا مولعون باختراع العجلة..!!
فنحن نعيش اليوم ذات المرحلة التي عاشها الغرب في 1735 !! المواطن الصالح هو المواطن الوديع، أما المواطن اللجوج المشكك في نزاهة وموثوقية المسئولين فهو خائن وتنتظره قائمة من التهم كالتحريض وإثارة الفتنة والخيانة والهرطقة !!
لقد وصل العالم اليوم ، بعد تاريخ ممتد من التجربة والخطأ والصراعات الدموية لصيغة مقبولة للمواطنة.. وليس من المعقول أن نأتي اليوم ،وقد استقرت المفاهيم وتبلورت، لنبدأ من الصفر ونخترع العجلة والناس تقود سيارات ومركبات فضائية..!
المواطنة تعني الفاعلية، لا أن تكون إمعّه.. المواطن الصالح هناك يستنهض التغيير ويحارب القيم الفاسدة وينتفض لانتهاك حرمات العدل والحرية والمساواة وإن لم يكن هو الضحية لعلمه – بالفطرة- أن الدور سيأتيه إن قبل بظلم غيره.. فالمواطن الصالح لا ينظر لمصلحته فقط - بل ينظر لمصلحة حتى الأجيال التي تليه- يستنطق الحقيقة ويتعامل على انه الوطن وأنة مسئول – بشكل مباشر- عن الوطن.. لا تابع ولا كومبارس ولا .. فرد من قطيع..
والله من وراء القصد