الأربعاء، 19 مايو 2010

على الوتر
المجلس «المشوّه»
لميس ضيف

لا يبدو أن مفهوم التحية العابرة سيصبح مقبولاً في البحرين على المدى المنظور! فإيماءة أو تحية عابرة عبر الرواق تصنف إجمالاً على أنها تصرف متعال أو تعبير عن سخط مكتوم أو ما شابه.. بالنتاج تجد نفسك مشتبكاً - يومياً - في عشرات التحيات الممطوطة التي تسأل فيها عن أشياء لا تهمك، وتدّعي فيها الاهتمام بأخبار لا تعنيك، وتدلي فيها بتفاصيل شخصية ليست من شؤون الآخرين!

بيت القصيد أن محدثتكم، ورغبةً في تزجية بعض الحوارات، تسأل أحياناً الطرف المقابل - لاسيما إن كان/ كانت من الناشطين أو المتعاطين مع الشأن العام - إن كان يعتزم الترشح للانتخابات النيابية.. أحيانا تأتي الإجابة وكأنني سألت أمرا نكرا؛ وأخرى تأتي على هيئة نفور واستبعاد؛ في اللقاءات الصحفية مع قادة الأحزاب والجمعيات لا تكون الردود مختلفة، ما يشي بوجود عزوف عام في أوساط التكنوقراط والمثقفين والناشطين عن التفكير في الأمر..

هؤلاء يهاجسون النفس بأسئلة محسوسة وإن لم ينطقها اللسان:

لماذا نبذل المال..الجهد والوقت ليأتي مرشح منضوٍ تحت لواء جمعية ما.. ويخطف المقعد؟
لماذا نضع شهادتنا؛ خبراتنا وعصارة تجاربنا، وربما تضحياتنا الوطنية، في كفة مع عمامة ما/ أو لحية ما.. لنكتشف - ونكشف للآخرين - قيمتنا في الميزان الشعبي التي نبالغ في تقديرها على ما يبدو!
لماذا نقنع الناس برؤيتنا وقدراتنا وبرامجنا؛ فإن ما نجحنا بالتسويق لأنفسنا والوصول بالناخب لميناء؛ جاءهم ‘’ تكليف شرعي’’ وغيّر دفتهم!
لم نرق ماء الوجه في معركة ديمقراطية تحكمها قيم غير ديمقراطية.. ولماذا نضع حياتنا الشخصية تحت مشرط الناخبين الذين يهمهم في أي مسجد نصلي لا أدواتنا العلمية؟!
وعلى صعيد أعمق نكاد نسمع هؤلاء يقولون في طوايا طرحهم:
ما فائدة الوجود في مجلس ‘’ملزق’’ كهذا؟
هل سمعتم عن جسد لا عين فيه تشبه الأخرى.. وله يد طويلة وأخرى قصيرة.. وله رجل نص رجل وأخرى كسيحة وله.. أفواه متعددة..!
هل يمكن لجسد مشوّه كهذا أن يعمل بكفاءة واقتدار ولا تجانس بين أفراده ودوافع مَن هم فيه مختلفة حدّ التصادم..؟
ماذا سنحقق - حتى وإن افترضنا الفوز جدلاً - ولم نتحمل لوم وتقريع الناس والصحافة وندفع ثمن أخطائنا وأخطاء سوانا؟
هذه الأسئلة وغيرها تغازل لا شك مخاوف التكنوقراط والصفوة والليبراليين والمستقلين ‘’الحقيقيين منهم لا المتزلفين’’.. والمعركة الانتخابية وشيكة، ومن الأجدر بمن ينوي خوضها أن يعجِّل في التهيؤ وتكوين معسكر ورصِّ الصفوف.. ولكن الطلائع لا تبشر بخير، وتشي بأن من يخططون للترشح هم نسخ كربونية عن نوّاب اليوم..
نحتاج من هؤلاء أن يعيدوا النظر.. من منطلقين على الأقل:
أولهما أن الناخب، كما أخال أو أتمنى، سيكون أفطن هذه المرة.. فكثيرون استوعبوا الدرس.. لاسيما عندما اكتشفوا أنهم انتخبوا أبو الهول الذي لم ينطق بصوتهم يوماً.. أو اكتشفوا الهوة بين طموحاتهم وقدرات نوابهم..
أما الثاني فهو منطلق الواجب.. فمن واجب الوطني المتمكن ألا يتخاذل.. عليه أن يحاول وإن لم تكلل محاولاته بنجاح؛ وهذا هو ما في ذاك..
ندعو الوطنيين من أصحاب الكفاءات أن يعيدوا النظر؛ وأن ينزعوا عنهم كساء اليأس ويذروا التثاقل ويدرسوا خياراتهم وينظموا صفوفهم.. وإلا فذنب المجلس المشوه في رقابنا جميعاً.