الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

لن نتحدث اليوم عن مخرجات الانتخابات؛ فالصورة لن تتبلور إلا بحسم المقاعد الست الباقية.. بل سنمحّص فرضية خطيرة؛ مؤرقةٌ وشاخصة؛ رصدناها جميعا في الانتخابات وإن صحّت..فنحن في محنة ذمة حقيقي يضاف لمآزقنا الممتدة في البحرين..!
****
قبل أسابيع استوقفني فخامة كتيب براق لمرشح جمعية إسلامية لا تتحمل – حتى البنوك والشركات الاستثمارية - تكاليف مثله فطفقت أسأل صديقاً يمتهن العمل بالمطابع عن كلفه طباعه ألفي كتيب – على الأقل- كهذا فقلبه يمينا ويساراً وقال : أثنى عشر ألف دينار على الأقل ! تساءلت يومها: من أي أتي صاحبنا " وهو من أهل الله الأتقياء" بمبالغ كهذه ..؟! انهمرت بعدها الأسئلة وسط غيوم الشك التي تكاثفت بسبب بذخ الحملات الانتخابية: من أين جاءت الجمعيات ، التي تمول هؤلاء المرشحين ، بأجرة الخيام التي تكلف – يوميا- ما يتراوح بين 500-1500 دينار، وبكلفة المشروبات وولائم العشاء اليومية وأجر المساعدين من تقنيين ومروجين وبكلفة الدعاية في الطرقات والصحف التي كلفت – وحدها- وفق تقدير خميس المقلة رئيس جمعية المعلنين، مالا يقل عن 2 مليون دينار ناهيك عن الرشاوي التي أغدق بها المرشحون الناخبين ، جهاراً نهاراً، على هيئة مساعدات سيما في الدوائر التي شرُس فيها الصراع..
هل وجد هؤلاء مغارة علي بابا ..؟ أم اكتشفوا بئر نفط وسط مبنى الجمعية ولم يبلغوا عنه ؟!
أمام أسئلة كهذه لا يقاوم الذهن استحضار صور اليافعين الذين يتلقفون المصلين عند أبواب المساجد لجمع الأموال للأعمال الخيرية فلا تقاوم ، وأنت في أعلى درجات الروحانية بعيد الصلاة، الرغبة في تطهير محفظتك من " وسخ الدنيا " ووضع بعضه في صناديق التبرعات.. وكثيراً ما تُشجعك الفرحة التي ترتسم على وجوه هؤلاء الصبية الطيبين لمضاعفة ما وضعت -عن طيب خاطر- طمعاً في الأجر وثقةً بأن الأموال ستذهب لمحرومين هم أكثر حاجة لها منك.. والحقيقة الشاخصة هي أننا نجهل أين تذهب هذه الأموال.. وعلى أي أساس ومعيار تُصرف.. وقد جاءت تلك الانتخابات ببذخها لتعيد السؤال بشكلً أكثر لجاجةً وإلحاحاً ..!!
******
قبل حوالي أربع سنوات.. صُعق ورثة رجل دين معروف في قرية فقيرة لما اكتشفوا أن الرصيد البنكي لوالدهم " الزاهد العابد" يناهز الـ5 مليون دينار، وعبثاً حاول المقربون يومها إقناع الورثة أن تلك الأموال هي – غالباً- أموال صدقات أخطأ والدهم بتكديسها وعليهم -هُم - توزيعها لئلا يُشوى أبيهم في القبر ولكنهم فضلوا عذابه على التخلي عن أموال ستنقلهم من العسر للبسطة.. وحدث في دولة عربية أن أكتشف أن سيدة داعية ، تعيش حياة يلفها الحرمان ، تملك 25 مليون جنية تخبئهم في أكياس نايلون والأمثلة على التكسّب من وراء الدين والأناس الطيبين كثيرة.. وكلكم يذكر كيف ثارت في العام 2008 ضجة عندما أعلنت مجلة فوربس ملايين الدعاة العرب، وما خفي من ثروات علماء ورجال الدين.. كان أعظم ..!!
****
لا نفتري على أحد ولكن،،
أجيبونا من أي أتت الأموال التي مولت حملات كلفت – وفقاً لتحليلات الملاحق الاقتصادية- ما يتراوح في الحد الأدنى بين 25-100 ألف للمرشح الواحد..! وما هي مصادر تلك الجمعيات أساسا سوى الاشتراكات الزهيدة وأموال الزكاة والخُمس والصدقات ؟ وإن صدق حدسنا وكانت تلك الأموال أموالُ التبرعات فقولوا لنا من خولكم بتشغيلها وصرفها على الحملات الانتخابية ؟ هل أفتى لكم أحد بأن هذا هو وجه من وجوه أعمال الخير فصدقتموه !! أن المتبرعين وأهل الخير عندما يجودون فإنما يريدون لهذه الأموال أن تذهب للمحتاجين والأيتام والمرضى وللتعليم ولترميم المنازل لا لخدمة أهداف سياسية واصطفافات فئوية..
بعض الجمعيات وزعت إبان الانتخابات رشاوىً " فالرشوة أيام الانتخابات – استثنائيا- حلال" على هيئة مساعدات توجهت للعائلات كثيرة الأصوات وفي المناطق التي أحتدم فيها الصراع الانتخابي دون غيرها.. فمن قال لكم أن تلك آلية مقبولة في مفاضلة الفقراء وتوزيع التبرعات !!
كما وسمعنا من عاملين أنهم تلقوا مكافآت من صناديق خيرية..
فمن سمح لكم بمكافأة معاونيكم من جيوب الفقراء !!
هناك فرضية أخرى قائمة تخفف من وطأ الفرضية أعلاه.. وهو أن تلك الجمعيات تلقت مساعدات من جهات " أخرى" وهذا بحد ذاته هتك للمادة 25 من قانون الانتخاب الذي يحظر على المرشح " تلقي أية أموال للدعاية الانتخابية من أية جهة كانت " فما هي الحقيقة ؟ من أين مولتم حملات أناس متواضعي الثروة مداخليهم ورواتبهم معروفة..!!
نتمنى أن نكون مخطئين.. وسنكون أكثر من ممتنين لو خرجت علينا الجمعيات التي نستأمنها على الأموال والتبرعات بتصريح أو بيان يوضح بشفافية مصادر تمويل الحملات والرشا ، عفوا المساعدات، التي تسارعت وتيرتها وستهدأ الآن حتى الانتخابات القادمة..!
في كافة الدول العربية هناك مطالبات بإقرار قانون " من أين لك هذا" لضبط شطط متنفذي السلطة وكبح تسلطهم على المال العام، وربما حان الوقت لنطالب بمثله لرجال الدين المؤتمنين على أموال غير محصورة وغير معلومة الحجم وهم في نهاية المطاف بشر لا يسلمون من نزعة التملك البشرية وإلحاحها..
والله – وحده- من وراء القصد ،،