الجمعة، 22 أكتوبر 2010

منْ طرائفِ السياسة البحرينية أن مهندسي الفتنِ إن قرروا تصفيةَ سمعةِ شخص أو الطعن في مصداقيته فإنهم يحققون العكسَ تماماً ، وإن هم ما ابتغوا دعمَ تيارٍ وتلميع شخصيةِ أسقطوها ، تماماً كالمُزيّن عديم الخبرة الذي إن أراد تكحيلَ عينٍ عماها وأن أشتهى التفننَ في تجميلِ عروسٍ جعلها مَسخاً ! أو ربما كالطفلِ المُذْنِب الذي إن أراد إبعاد ناظريك عن شيء لفتَ انتباهك لهُ من حيثُ لا يدري !!
****
بالأمس القريب زرتُ المحرقَ الأبية حيثُ طُوقتُ بأهلها الشرفاء الكرام واحتفيتُ بوجودِهم في لقاءٍ طويلٍ كشفَ حجمَ الالتفافِ غير المسبوقِ حول المعارضين والمستقلين وتنامي شعبية جمعية وعد أكثر من أي وقت مضى كردة فعلٍ على الهجماتِ الشرسة.. غير الأخلاقية.. التي تعرّض لها رموزُ التيار مؤخرا.
يومها.. سألتُ همساً :
إلامَ تعزين كل هذا العداء ضد إبراهيم شريف بالذات ؟ وما سرُّ الاستماتةِ لتسقيط مرشحي " وعد" دوناً عن مرشحي جمعية الوفاق، رغم تطابق أطروحاتهم المعارضة ؟
سؤالان مُبتسران لهما إجابة واحدة، لن يحقق الشعب مكتسبات تُذكر دونَ استيعابِها..
نعم ، وجودُ إبراهيم شريف يزعجُ السلطةَ ويقلقها كونه يساوى - في ميزانِهم- ثقل عشر معارضين شرسين.. لا لأنهُ داهية في السياسة والاقتصاد فحسب، ولا لكونه محاور صلّد قادر على صرعِ الترهات بلغة الأرقام ومواجهة الشائعات والخرافات بالوثائق.. بل بشكل خاص لأنهُ – ولنكن صرحاء- سني المذهب.. فالسلطة عبر التاريخِ لا تسود إلا أن فرّقت.. في البحرين كانت التخريجةُ الأفضل لضربِ المعارضة هو ربطها بأجندات مذهبية.. فالمعارضون " وهم إجمالاً عرب وأصولهم بحرينية بنسبه 100% " لديهم تهمة واحدة معلبة تنتظرهم كُلما رفعوا عقيرتَهم بمطالباتٍ تصبُّ في مصلحة الشعب.. كل الشعب.. "أنتم موالون لإيران" ورُفعت المصاحف !!
- " نعتقدُ بعدم عدالةِ توزيع الدخل " * هذا لأنكم شيعة موالون لإيران
- "يجب محاربة الفساد ووقف نزف المال العام " * هذه أكاذيب أوعزت لكم بها إيران.
- "لماذا تجنسون وأنتم عاجزون عن الوفاء بمتطلبات شعبكم" * لمواجهة المخططات الإيرانية التي تمثلونها.
- لماذا ارتفع سعر كيلو الطماطم لدينار، ومتى يُقوض الغلاء ؟ أهــا.. ترددون هذه الهلوسات بدافع حبكم لإيران ..!!
ورغم أن التهمة سمجة.. وليس لها رنين واقعي.. إلا أن الجماعة هداهم الله مصرين على " حلبها" للرمقِ الأخير لتبرير المعارضة المتنامية في البحرين.. بديلها الأوحد أن تعترف السلطة بأن شعبها مرهق اقتصاديا ، وأن العدالةَ الاجتماعية مفقودة، وأن التوتر وليد الطبقية الضارية وضعف الخدمات وحجب الحقوق.. وهو ما يأبى النظام الاعتراف به فيلقي باللائمةِ على شماعة إيران - بعبع أمريكا بعد زوال العراق- لتسميـع الناس في الخارج هذه الإدعاءات وكسب تعاطفِهم.. والحق أن شعب البحرين لا يعبأ بإيران ولا بأذربيجان بل يريدُ العيش عزيزاً في وطنه لا أكثر.. ولا أقل..
في عودة لموضوع إبراهيم شريف نقول: أن مقاس تهمة الولاء لإيران " فضفاض" عندما يأتي الأمر للمعارضين السنة.. لذا تم الحرص على شراءِ ذممهم وتمييع مواقفِهم أو إخراسهم لإلباس الملفات لبوساً طائفياً لتسهيل تجاوزها وتجاهلها.. والضحية هاهنا هو المواطن البسيط في قلالي وكرانة وعسكر أو عالي.. وحريٌّ بالسلطة أن تنتهي عن ما تفعل وقف كلَّ هذا وتركز جهودَها على تلبية مطالب الناس ورفع معاناتهم.. ففزاعة إيران التي خوّفت الطيورَ السنية طويلاً بدأت تُبلى من تأثير شمس حقيقة التباين الطبقي والمعيشي.. ففي دولة يعيش متنفذوها في منزل كيلو متر في كيلو متر - في حين يحلمُ ثلثا الشعب بمنزلٍ مساحته 350 متراً - يصعب تصديق أن المطالبات بالعدالة.. مذهبية !!
****
نعرفُ أن السلطة في البحرين أضافتْ للفروض الخمسة فرضاً سادساً.. وهو احتمال وجوهٌ احترقت أوراقها وأنكشف للناس دجّلها و فتنتها وترهاتها.. نعرف أن السلطة ترى في بقاء هؤلاء ضمانة، بيد أن الحق أن هؤلاء باتوا بؤر استفزاز ورفعوا منسوبَ الاحتقان ولم يعد بقاءهم مجدياً.. بالمعنى ذاته فالدفع باتجاه إسقاط إبراهيم شريف وفخرو وسيادي وبعض المستقلين الذين لمسنا شعبيتهم في مناطقهم لصالح تجمع " الفرض السادس" خطأ استراتيجي.. فمكاسب السلطة من فوزهم أكبر لو كانوا يفقهون :
- فإن دخل إبراهيم شريف ورهطه المجلس، أو زاد عدد المستقلين –لا نعني هنا حملة المباخر و"حبابي الخشوم" بالطبع بل المستقلين الحقيقيين- فقد يغرقون كما غرق سواهم في فخ العجز عن تحقيق الوعودِ ما سيهوى بمصداقيتهم للأبد.. كما وقد " يتروضون" إن لمع بريق الذهب في أعينهم والتجربة أثبتت - للسلطة والناس- أن كثيراً من أسود المنابر تحولوا لقطط عندما حان وقت العمل..
- أما إن دخلوا وواصلوا دربَهم النضالي .. فنعمةٌ للسلطة أيضاً.. فالعمل ضمن النظام وتحت مظلته أفضل من العمل " المنفلت" ووجودهم في البرلمان سيكون متنفسا للشعب.. وفي أبجديات علم السياسة يعد السماح للشعب بالتنفيس عن مكنوناته ومعاناته خير سبيل لامتصاص غضبه والحيلولة دون.. انفجاره.
على السلطة أن تعقل أمورها وتتصرفُ بأبوية لا ندية.. ولتعلم أن الناسَ ضاقتْ بالجمعيات الطائفية التي تزدادُ غنا ونفوذا فيما يزدادُ الباقون بؤساً.. اتركوا الناس لتقرر من ستنتخب لئلا ينفجروا ويفقدوا توازنهم أكثر..
وشعب البحرين نخاطب هنا ونقول.. موعدنا السبت.. اقصدوا الصناديق، قولوا كلمتكم وامتثلوا لأوامر ضمائركم .. وضمائركم فقط.. ومن يدري ربما يمّن علينا الرحمن ، وتتسامح معنا " المراكز العامة "، فنظفر بالبرلمان الذي حلمنا به طويلاً ،،
حرر في 19- أكتوبر- 2010