الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

في التسعينات؛ كلتّ أيدي قوات الشغب وهي تمحي عبارة " البرلمان هو الحل" من على الحوائط والأسوار.. يومها؛ كانت الإشارة " للبرلمان" تستفز أقطاب النظام وكانت – في معجم قانون أمن الدولة- جرمٌ يستوجب الاعتقال والتعذيب. أدرك الشبيبة آنذاك ذلك؛ فأمعنوا في اختلاس الثواني لكتابة كلمة "البرلمان" على كل ما تطالهم أيديهم من جدران ومولدات كهرباء وواجهات - بل وصناديق بريد- ليفروا بعدها هاربين من أيدي العسكر أو لعنات أرباب المنازل المستخدمة " كسبورة "..! يومها.. قيل لهؤلاء أن البرلمان هو الحل.. حل البؤس والبطالة والطبقية والفساد وسوء توزيع الثروة.. وأنه سيُجسد "روبن هود" الشهم الذي سيذود عن المواطن المطحون قبالة المواطن من فئة "الخمس نجوم" ويقتنص له الحقوق.. كثيرون كانوا وقتها يرون الحلم أبعد من أن يُنال "بسبب طبيعة المنظومة التي نتوسطها" والمفارقة أن بعض كتاب اليوم، الذين يتغنون بالديمقراطية حتى مطلع الفجر، كتبوا أيامها حتى جفت أحبارهم ليقنعوا الناس بأن الصيغة الغربية للديمقراطية " لا تناسبنا"! ولكن عهد جلالة الملك حمد بن عيسى جاء ، بفكر متقدم ورغبة في مصالحة الشعب والعصر، فغير هؤلاء جلدهم في لحظة.. وتنفسنا جميعا الصعداء ونحن نرى " الحل" وقد تحول من " حلم" لحقيقة، فوقفنا شارعي الأكف في انتظار الثمار.. فما أصابنا إلا فلع النوى !! *** كثيرون قرروا اليوم، وطبول الانتخابات تدق، عدم التصويت والمشاركة.. لا من قبيل المقاطعة أو تسجيل موقف - أو أياً من هذا القبيل- بل لأنهم لا يرون فائدة تُرتجى ولا وجوهاً – في دوائرهم- تستحق الدعم.. وإن كنا ننهاهم عن نواياهم السلبية تلك إلا أننا نلتمس لهم ، في الوقت عينه، العذر.. فالبرلمان تحول من "حل" لأزمة في ذاته.. سيما وأنه جسد مشوه ذا أطراف متباينة الطول والنوايا.. ناهيك عن وجود أطراف عطبه وأخرى مشلولة فيه ما جعل أداء الأعضاء " الفاعلة" أقل كفاءة.. تركيبة البرلمان غير المتجانسةً جعلته عقيما.. يجمع ثواراً بلا قضية.. وشهود زور.. ومجتهدون متخمين بأفكار لا يجيدون ترجمتها لواقع.. أما أحلى من فيهم فهو تجمّع " الضائعين في الطوشة" الذين لا تدري ، ولا هم يدرون، سبب وجودهم في المجلس.. يتوسطونه وهم يغالبون النعاس طيلة الجلسة ولا ينطقون بخيًر أو شر، وإن حدث وتكلموا -مجاملةً لعدسات الصحفيين– أوجزوا واختصروا.. خشية أن يحرجوا أنفسهم أو يكشفوا خوائهم الداخلي وتواضع قدراتهم، ناهيك طبعاً عن المهرجين وسماسرة الكلام الذين يتحدثون كثيراً، ويعلمون قليلاً..!! **** برلماننا لا يبدو لي كسُلطة.. بل "سَلَطَة" شخصيات لا يجمعهم هّم واحد ولا رؤية مشتركة.. كثيرون يرمون طابة المشكلة في مرمى الدستور ونظام المجلسين وتواضع صلاحيات المجلس وتلك - فقط - نصف الحقيقة.. وأعلنها ، وأن استشاط البعض غضباً ، أن مجلساً تشريعياً بهذه التركيبة لا يستحق مزيداً من الصلاحيات لأنه سيكون بها كالمراهق الطائش الذي مُكّن من قيادة مركبة لا يجيد قيادتها "مركبةً تحمل الشعب كله بالمناسبة".. وتخيلوا معنا كمّ التشريعات والقرارات المرتجلة والانفعالية التي كانت ستهطل من مجلس غرّ طائفي كهذا لو أطلقت له اليد!! ولا تصدقوا تشدق النواب وزعمهم أنهم قدموا " المتاح" فتلك أكذوبة انتخابية صفراء لأنهم لم يستغلوا معشار ما أُتيح لهم من فرص .. فالنواب " ككيان واحد لا كجماعات متضاربة" كانوا يستطيعون تقديم الكثير للبلد – لو- صفوّا النوايا ورفعوا الهم الوطني على الفئوي.. ولكنهم – سامحهم الله- تخبطوا وضيعوا فرصا عديدة وأخفقوا في لعب دورهم الرقابي والتشريعي بشكلً مرضً، كما وتحولوا من متنفس وعنصر تهدئة وتنمية – كما يُفترض بهم أن يكونوا- لعامل تأجيج وخلق فتن.. وأنشغل جُلهم بخدمة السلطة أو الجماعة أو الجمعية عن خدمة الوطن.. نحن كشعب.. مطالبون بالاعتراف بمسئوليتنا التاريخية في المهازل التي تتوالى علينا.. فبين المقاطعة التي ضيعت 4 سنوات ونمت العدائية بين النظام والمعارضة.. وبين خذلان ذوي التاريخ النضالي لشعاراتهم التي أثبتت التجربة أنها فقاعات صابونً تتبخر فور ارتطامها بالأرض.. وبين نزوع الناس لتفضيل " الزين الحبوب" و " الراكع الساجد" و"ولد الفريج" على الكفاءات القادرة على العمل السياسي.. ضاعت الثقة في البرلمان الذي كنا نراه "الحل" فغدا مشكلةً بحد ذاته! الخبر الجيد أننا نستطيع أن نتعلم من أخطائنا.. أوافقكم الرأي بأن الخيارات ليست واسعةً ومبشرةً ولكن هناك "الأفضل" أو "أحسن الأسوأ" في كل دائرة.. مسؤوليتنا كناخبين اليوم عظيمة.. أن ننسى جزئية "جماعتنا وجماعتهم" ونركز على اختيار عناصر وطنية واعية، غير عدائية ولا طائفية، فنحن نمّر بمنعطف خطير وآخر ما نحتاجه هو وجوهٌ طائشة وغير متزنة.. كما وأننا مطالبون بإيصال رسالة -شديدة اللهجة- لكل من خذلونا وانشغلوا بـ"الهذر" والمهاترات عن العمل بحرمانهم من الكرسي مجدداً.. فقد جاء الوقت الذي نقود نحن فيه العربة بانتخاب الساسة المشرفين سيما وقد أدركنا – بالطريقة الصعبة- من يُمثلنا ومن يُمثلُ علينا..