الخميس، 22 يوليو 2010


من يُمعن النظر في المجتمع البحريني لا يكاد يُخطئ مؤشرات " الاكتئاب الجماعي" التي تُعلن عن نفسها بشكل صارخ في تصرفات الناس ووجوههم॥ لا تتعجبوا فالاكتئاب وباء قابل للانتشار، وكما أن " مجاور السعيد يسعد" فمن يتقاطع مع المهمومين تصيبه العدوى -آجلاً أم عاجلاً- وإن كان غير مبتلى॥ ناهيك أن البعض يهاب المجاهرة بالفرح وسط العيون المترعة بؤساً " خوفاً من سياط الحسد" فيتصنع الاكتئاب إلى أن يصيبه بالفعل॥!! كلُّ عوارض الاكتئاب الكلاسيكية – نقول- تُقرأ في صفوف الناس ببنط صارخ : الضيق الدائم، التقلبات المزاجية، التشاؤم والإحباط، فرط الشهية أو فقدانها " وكلكم يرى تهدل كروش البحرينيين أو ترقرق سيقانهم"॥ شكاوى الملل المزمن المتواترة، اضطرابات النوم، وفقدان البهجة بشكل عام بحيث يغدو المرء عاجزاً عن السعادة والاستمتاع بالأشياء। بل وكثيراً ما يتحول هذا الاكتئاب في الأجساد لألم فعلي" سيما عند النساء " فيشعرن بآلام غير مقروءة طبياً॥ على صعيد عام تتجلى مظاهر هذا الاكتئاب في انفعالية الناس، عدوانيتهم البذيئة في المنتديات، تبلل الألسنة بالشكوى من كل شيء وأي شيء। في نزوع الناس للفظاظة، في الوجوه العابسة والابتسامات المرتجلة والتحايا الجوفاء، في إهمال الناس لملابسهم ومظاهرهم ।في خبو الحماس وفتور همتهم॥ في الشيخوخة النفسية التي أصابت كثيراً من شبابنا وفي الاسترجال الاختياري الذي تظهره بعض نسائنا!! مؤشرات عامة هي، تُرى في أبسط وأوضح صورها في الشوارع والطرقات.. حتى أنه ليخيل لك أحياناً، وأنت ترى المشادات حول أولوية المرور والتي تستخدم فيها الأبواق والإشارات والسباب والملاحقات، أن بين هؤلاء المتصارعين ثأراً قديماً تحينوا الفرصة لسنوات لتصفيته.. وكثيراً ما تلمع في أعين المتشاجرين نظرة مجنونة ، تُشعرك بأنهم يتمنون قتل بعضهم.. في لغة المالاي تسمى هذه الحالة بالـ Amok ، والآموك تعبير يعني جنون الغضب أو الغضب الذي يخرج عن نطاق السيطرة। وهو انفجار مفاجئ في التوتر الداخلي ناجم عن الحياة في مجتمع شديد الهرمية ويصيب - بشكل خاص- الرجال لإحساسهم بالخزي لعجزهم عن العيش بكرامةٍ وشرف في مجتمعاتهم.. وكثيراً ما تؤدي تلك الحالة للجريمة الموجهة ضد النفس أو الآخر। وليست فاجعة المحرق عن الذاكرة ببعيد عندما أشهر أحدهم المسدس في وجه آخر وأرداه قتيلاً لمجرد أنه قطع عليه الطريق !! هم ليسوا بأعداء، ولكن فقدان الاتزان العاطفي يفعل ذلك بالمرء، يجعله عرضة للانفجار بسبب شكة دبوس.. فمثلما يحدث عندما يحقدُ شخصٌ على آخر لمجرد أنه ضحك في مجلس عزاء.. أو عندما يلعنُ الأبناء الممرضة لأن والدهم قد مات.. يُوجه هؤلاء كل المشاعر التي تتآكلهم من الداخل لهذا العابر। فيتحول في لحظة من الزمن لغريم.. أو لكبش فداء..تتفجر فيه طاقة الألم المكبوتة في الصدر.. الإشاعات وهيمنة المحسوبية ، بطء التقاضي، انكماش الطبقة الوسطى، ألاعيب السياسيين ورجال الدين، كبت الحريات، الصيف الصلد الذي لا يرحم وشح منافذ الترفيه ، الغلاء وتواضع الرعاية الصحية، الهشاشة الأخلاقية والتدين القشري.. كلها أمور تموج في صدور البحرينيين وإن لم تجترها ذاكرتهم.. الخوف، الخوف نعم ، من المستقبل والماضي والمجهول – كلها- ضغوط تكاد تسمع تحت ثقلها صوت تكسر عظام البحرينيين الذين كانوا يوماً أكثر شعوب الخليج طيبة ودعةً وتحضراً حتى بدأت أخلاقياتهم في التدهور بشكل لا يخطئه راصد.. والحل ..؟ تسألون ،، لا حلول سحرية لعقدنا المتنامية ولكن كل ما نقوله هنا لا تكونوا أنتم والزمن.. عليكم..!! الأوضاع قاسية على الجميع والكل مُطارد ومحاصر في جلده بأحاسيس سلبية تحرمه البهجة وتجعله أسيراً للضجر وتقلبات المزاج.. فلا داعي أن تتنمر وتستقوي على مغبون مثلك.. محبط مثلك، بائس مثلك، يعاني مما تعاني منه وربما أكثر.. الوضع معقد ولا داعي لتعقيده بأزمة أخلاق تضيف لمآسينا بعداً آخر.. يجب أن ندرك أن حالة الاكتئاب تلك.. جماعية، ونتضافر في تخطيها ومعالجتها معاً.. ولنا في الأشقاء المصريين قدوة: تكاد الأيدي أن تمتد ثم لا تمتد، ويكاد الشجار أن يشب ثم لا يشب، لأن صوتاً ما يخرج من الجموع ليقول " هيّ مطينة أساساً" فيتصالح المشتبكون وكأنها شفرةُ تهدئة لا يقرأها سواهم.. هم يعالجون همومهم بالضحك والتعاطف مع بعضهم خشية أن " يطقوا" ويبيدوا من القهر جميعاً