الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

بين الفينة والأخرى.. تطلق الحكومة مشروعات للتحلل من بعض مسئولياتها والتزاماتها تجاه المواطنين، وتروّج لها بدهاء وتهدّ منذ سنوات مثلاً زعمت أن الخدمات الإسكانية تتأخر لكونها تتشتت بين المعسرين والمقتدرين، فقررت حرمان كل زوجين يتخطى دخلهما مجتمعين 1200 دينار من خدماتها الإسكانية ! ورغم أن هذا الدخل لا يعني أن الأسرة غنية وقادرةٌ على توفير مسكن إلا إننا قلنا " شعّاد " إذا كان هذا سيقلص أمد انتظار الأسر المطحونة حقاً، وها قد مرّت السنواتُ ولم يتغيّر شيء، لا زالتْ عشرات الآلاف من الأسر تنتظر، ولا زالت الطلبات تتكدس ولم تهدأ وتيرة الشكوى بل تعالت، وطلع الجميع من " المولد بلا حمص " !!
قيل لنا : سنفرض رسوماً عالية على العمالة الأجنبية لرفع كلفتها وتقليص أعدادها.. فقلنا لهم :إن إصلاح سوق العمل لا يكون بالرسوم وأن الغلاء سيستعر والمواطن هو من سيدفع الفاتورة فقيل لنا : أننا لا نفهم وأننا سنرى كيف سيغدو البحريني " الخيار الأفضل" لأرباب الأعمال وسترتفع أجور المواطنين وستصبح " الاشيه معدن".. وهاهي إحصائياتهم تؤكد ، بعد عامين من تطبيق المشروع، أن 94 % من الإجمالي الكلي للوظائف هذا العام ذهبت للأجانب " مقابل 81 % لنفس الفترة العام الماضي !" وأن 98 % من الأجور العالية قد ذهبت للأجانب في طفرة غير مسبوقة لم نشهد مثلها قبل هذا المشروع " الفلتة " !!
ولو استعرضنا المشاريع التي خُدعنا وأُوهمنا بأنها في صالحنا واتضح العكس فلن ننتهي. لذا فسنترك الأمر وننتقل لتفنيد المشروع الجديد للتدرج في رفع الدعم عن المنتجات ابتداءً بمشتقات النفط ووصولاً للأغذية.. وهو مشروع حاولتْ الحكومة على مراحل متقطعة جسّ النبض لتمريره وفشلت.. وها هي تعود بزخم أكبر هذه المرة وهي تتباكى هذه المرة على عجز الميزانية..!!
ولتمحيص وجهة نظر الحكومة، سنتجاهل التصريح الملتوي الفضفاض لوزير المالية، وسنمسك بتلابيب تصريح وزير شئون النفط د. عبد الحسين ميرزا الذي لم ينطق عن الهوى بالطبع.. يقول الوزير دام ظله :
أن أسعار بعض المشتقات النفطية لم تطرأ عليها زيادة منذ العام 1983فيما تضاعفت أسعار النفط عشر أضعاف.. ونقول وبالله التوفيق ، ليست أسعار النفط وحدها من تضاعف.. بل أسعار السلع الأساسية والكمالية والمنازل ومصروفات المدارس بل وأسعار المزروعات التي تضاعفت حتى 20 ضعفاً.. يصادف أن بين يدي الآن وثيقة ملكية لأرض من مخطط شيخان الفارسي في سار اشتراها قريبي في العام 1983م الذي تتحدث عنه يا سعادة الوزير وكان القدم يومها بـ400 فلس ، وهو اليوم بـ21 ديناراً يا سعادة الوزير.. فكم ضعفا هذا؟ وأعذرني على ضعفي في الرياضيات ، وما هي القرارات الحكومية التي أدت لهذه الطفرة ؟ وما هي الإجراءات التي اُتُخذتْ لحماية المواطن منها ؟
والسؤال الرئيس هو : كم مرة تضاعفت الرواتب في البلاد يا سعادة الوزير..؟ الزيادة التي طرأتْ بنسبة 15% بعد جلبة لا توصف تزامنت مع التلاعب بتعرفة الكهرباء " ومسئولة أنا عما أقول".. ورفع اشتراكات التأمينات واقتطاع الـ1% ورفع رسوم التسجيل العقاري ثلاثة أضعاف ورفع رسوم المرور وغيرها من الضرائب التي رفعت " بـسّكات" في غفلة من المواطنين.. فعلامَ تمنون بالتحديد ومن أحق باللوم.. ؟
يقول سعادته : دعم البنزين أوجد ممارسات غير مناسبة يا جماعة ، كثيرون يصرون على استخدام البنزين الممتاز رغم أن البنزين الجيد يناسب سياراتهم، ورداً عليه نقول ومسئولية من توعية المستهلك بذلك؟ لماّذا لم تضعوا إعلانات في محطات الوقود تنبه الناس لذلك، وتأكدوا أن ثلث الشعب يُرحب بالتوفير ولو كان في 40 فلساً للتر !!
يقول الوزير: الدعم يكلفنا 500 مليون ونريد توجيهه للمعسرين بدلاً من أن يتوزع على الشركات والميسورين وغير المواطنين بنفس الدرجة.. ونحن نقول أن الكلام جميل، وذكاءٌ منكم أن تعزفوا على وتر الأجانب الذي يُثير في المواطنين شجوناً.. ولكنه كلام حق يراد به باطل.. إن كان الدعم سيوجه للمعسرين فنحن أول المصفقين ولكن.. هل سيُعاد توجيه الـ500 مليون للمعسرين أم سيُخفض المبلغ – وهنا مربط الفرس- و من يضمن لنا أن الشركات لن ترفع أسعار البضائع والخدمات تبعاً لزيادة التكلفة وبالتالي يتحملها المواطن طوعاً أو كرها..؟ هل ستراقبون الأسعار وتثبتون بعضها كما يجري في دول الجوار أم ستتنصل الحكومة كالعادة من تلك المسئولية وتردد أنها سوقٌ حرة " واصطفلوا مع تجاركم" !!
يقول الوزير : التوجه هو لقصر الدعم الحكومي على ذوي الدخل المحدود.. ونحن نقول ما هو تعريفكم لذوي الدخل المحدود.. وكيف ستحصرونهم ؟ فيلم الرعب المسمى بـ" علاوة الغلاء" ما زال حاضرا كالكابوس في الأذهان برهاناً على عجز الحكومة عن السيطرة على مجرد علاوة يُفترض أن تُصرف بسلاسة ويسر.. هل ستطلبون من الناس أن تُسجل للدعم ثم ترهقونهم بطلب وثائق تثبت " فقرهم".. ثم تسقط أسماؤهم، ثم ستفتحون باب التظلم ، ثم تطالبونهم بتجديد بياناتهم كل حين؟! وما هي آلية الصرف : كوبونات ؟!! وكم كوبوناً للعائلة يا ترى.. وهل سيكون المبلغ مفتوحاً أم سيكون هناك سقف للكوبونات منعاً " للهدر" ؟! ستحسبون مشاوير المواطنين أم ستقدرونها حسب العمر والمنطقة ؟ أي ذلٍ هذا الذي تريدون سقايته للناس ؟ ومن قال لكم أن المواطن وإن كان محتاجاً يريد أن يعلق لافتة على صدره بعوزه وفاقة أبنائه !! أكنتم لترضون هذا على آبائكم وأخواتكم لو لم تكونوا من أرباب النعم ؟! خافوا الله فيما تضمرون لهذا المواطن من كبد !!
يقول الوزير: علينا مراجعة آليات وسياسات الدعم الحكومي التي تستنزف أموالاً طائلة من الموازنة العامة لخلق وفر مالي من الممكن " من الممكن مو أكيد " إعادة توجيهه للصرف على مشاريع تنموية يستفيد منها المواطنون.
ونقول للوزير اعذرنا لو لم نصدقك.. لأن التجربة أثبتت أن الحكومة تواصل التضييق على المواطن في حين أنها هي من يهدر الميزانية لا المواطن " الذي يصب بترول ممتاز بدل الجيد " !!
مؤخراً ضخت الحكومة مليار دولار في شركة طيران الخليج مؤسسة الفساد التي لا يُرتجى منها ربح..وأسقطت من قبل الملايين التي منحت كقروض لمشروعات فاشلة من جيب صندوق التقاعد ومحفظة التأمينات، وهاهي تواصل سياسة دعم المشروعات المكلفة وغير الضرورية.. قبل أيام أعلن وزير التجارة عن مشروع مدينة للمعارض في الصخير تكلفة المرحلة الأولى منه 385 مليون دولار وتكلفة النهائية 1.5 مليــار دولار. فبالله عليكم هل نحن بحاجة الآن حقا لمدينة معارض جديدة في حين أن الأرض الموجودة خالية ثلث العام..!! أليست لدينا في البلاد أولويات مرحلية أهم من مشروع كهذا !!!
إن كنتم فعلاً تريدون وقف الهدر.. رشدوا منح الأراضي التي تخصص وتباع من المال العام.. كبلوا التجنيس.. تريدون وقف الهدر؟ ما رأيكم بتقليص ما ينفق على المحافظات الأربع التي لا نتلمسُ لها دوراً ونرى أن إدارات صغيرة تابعة لوزارات قادرةٌ على النهوض بعملها كله..! الهدر تقولون ؟! انظروا للاحتفالات والمهرجانات التي تحرق الملايين.. تأملوا كلفة المستشارين الذين يتقاضون رواتب فلكية ليمطرونا باستشارات لو كان فيها خير لما وصلنا لمآلنا اليوم !!
تريدون ترشيد الإنفاق حقاً " حلو" قلصوا امتيازات الوزراء والوزراء السابقين ومن هم برتبة وزير من محافظين ورؤساء مجالس وهيئات ومستشارين الذين يثقلون الميزانية برواتبهم ومنازلهم ورحلاتهم الصيفية والشتوية والرسمية والترويحية ويحصلون على بترول مجاني بالمناسبة ".. وممتاز بعد !! "
هناك عجز في الميزانية.. حسنا.. ليتحمله من تسبب فيه..
وليجد له مخارج: بتنويع الدخل بتقليص المصروفات بالاستثمار الرشيد أو بأي كان.. لتشد الحكومة الحزام أما المواطن فخصره صغير وليس لديه كرش يتّحمل شداَ.. وننتظر من النواب والصحافة والنخب السياسية اليوم أن تكونوا سداً منيعاً أمام هذه المحاولات.. فالمناخ السياسي متوتر والوضع على أشده.. ولا يتحمل تغيرات جذرية أو حركات بهلوانية ..
اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد ..