الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

في منتصف ليلةً من 1947 أُعلن نبأ انشقاق باكستان عن الهند بقيادة محمد علي جناح ، رفيق غاندى في درب الكفاح والمقاومة الذي تمرد على سياسة المطالبة السلمية بالحقوق "الساتياجراها" التي أعتمدها المهاتما ورآها ضعفاً يسحق الأمة. حتى وفاته ؛ أحتفظ محمد جناح بلقب الزعيم العظيم " قائدي أعظم" بالباكستانية ، بيد أن الزمن كشف - بعد أكثر من 60 عاماً على حركته- أن انفصال باكستان عن الهند كان خطأً فادحاً أضر بالمسلمين الذين سعوا له والهندوس الذين دفعوا باتجاهه. فالصراعات القومية والطائفية لم تهدأ داخل البلدين وسرعان ما اندلعت – مجدداً- على شكل مجازر داخلية: بين الهندوس والمسيحيين - هذه المرة- داخل الهند أحرقت فيها الكنائس.. وبين المسلمين – أنفسهم- داخل باكستان ما أدى في النهاية لانفصال بنجلادش عن باكستان في العام 1971 بعد اقتتال دموي ضاريً.. صراعات متتالية هي استنزفت مقدرات القارة الهندية. وطالما قيل أن الشعب الهندي كان يملك مقومات لتسيد العالم اقتصاديا ومعرفيا – لولا- نير شقاقهم الذي أوهنهم .. ما حدث في باقي الدول التي تفككت يشبه ، في كثير منه أو قليل، ما حدث في الهند.. في آسيا انفصلت تيمور الشرقية عن اندونيسيا بسبب تنامي النعرات في ظل تشجيعً إقليمي.. في أفريقيا انشطرت أرتيريا عن أثيوبيا ولازال النزاعات المدمرة قائمة. شمالا أنهار الإتحاد السوفيتي وتفكك لعدة جمهوريات " يوغسلافيا – وحدها- تفتت لخمس دول" وهكذا تحولت ، ثاني أعظم قوة في العالم، لأضحوكة ودويلات متصدعة متناحرة. القاسم المشترك بين كل تلك التجارب أنها كانت مشاريع " هروب" من خلافات عرقية ودينية وأثنية.... أحلام.. بغدٍ أفضل ومجتمعات أكثر تناسقاً وانسجاما، ولكنها أفضت لوضع أكثر تعقيداً وتبايناً.. ولو أمعنا النظر؛ فسنجد أن تلك الدول ليست بأكثر من غيرها في تلونها الديني والعرقي " لا يضاهون الصين مثلاً ذات الـ200 دين و300 لغة" ولكن الجماعات المتصارعة فيها لم تتحمل عبء الاختلاف؛ فسعت للانفصال وإزاحة الأضداد أملاً في السكينة، لتكتشف أن خلافاتً جديدة طرأت ضمن المجتمع الوليد - ضمن الدين أو العرق والمذهب نفسه أحياناً- أكتشف هؤلاء بالطريقة الصعبة، أن الصراع يوجد أينما وجد الجنس البشري.. ولو كان البشر يعترفون بأخطائهم التاريخية لأقرّوا بأن كلفة تقبل الآخر كانت لتكون أقل بكثير.. من أكلاف إلغائه .. **** ذات يوم ؛ أسر لي معّد برامج إذاعي بأنهم توجسوا في أمر متصل مندفع أصر أن يتداخل على الهواء بدعوى أنه يملك حلاً ناجزاً لمشكلة التخريب والمخربين في البحرين. فما كان من طاقم البرنامج إلا أن أوهمه أنه على الهواء مسجلاً مداخلته لبثها لاحقاً- إن صلُحت كما يزعم... ففاجئهم بقوله " الحلّ الوحيد هي أن نخرج كلنا من البلاد.. ثم نطلق غازاً ساماً في البحرين فيموت كل من فيها من "..." ثم نعود لنعيش بسلام من دونهم !!" بالطبع، ولا تشكوا في ذلك للحظة، هناك متطرفين مثل صاحبنا من المذهب المقابل يضنون المثل.. أنهم سيكونون أكثر استقرارا ورفاهاً لو كانوا وحدهم في البلاد لا تُنازعهم على خيراتها مجموعة أخرى.. وهؤلاء، على ضآلة عددهم ، يعبرون عن وّهم مدفون في المخيلة الثاوية للغرماء عبر التاريخ.. وهّم أن الحياة ستكون أفضل دونما هذه الفئة أو تلك.. ففانتازيا إلغاء الآخر ليس بدعة.. بل هي غريزةٌ بدائية يهذبها العلم والفكر والدين القويم، وتطلقها – بجموح – دسائس السياسة والدين المزيف.. **** المتأمل للمشهد السريالي في البحرين اليوم، لا يكاد يخطئ هذا النفّس، الرغبة في خلق سدّ/حاجز افتراضي ضمن الدولة يفرز المواطنين لموالين و "مشكوك فيهم" ضمن تصنيف ارتجالي ما أنزل الله به من سلطان.. فأما أن تصنف هؤلاء على أنهم إرهابيون بالمطلق ، لا مخربين ولا متمردين ولا جانحين ، بل إرهابيين.. أو أن تدافع عن من اتخذوا من العنف منهاجاً وجرونا لهذا المنزلق بأساليبهم " التي تجرّحت حناجرنا عبر السنوات ونحن نقول أنها لن تأتينا إلا بالوبال" باعتبارها حقٌ وتعبير سلمي عن النفس" !! أي موقف آخر غير مقبول.. أي رأي آخر مجرمٌ من الطرفين.. والتهم والطعون جاهزة لمن يحاول تقييم الموقف باتزان دون إفراط ولا تفريط ..!! **** ولنتجرأ هنا ونسأل : ما الفرق بين الذين يصورون البحرين على أنها جنة الله في الأرض وأنها بلا مشكلات ولا معضلات، وبين من يصورونها على أنها سجن جوانتنامو أو عراق التسعينات ؟ ما الفرق بين من يؤكد أن يافعين مغرر بهم إرهابيون لا يستحقون العيش في الوطن، وبين من يصورهم على أنهم أبطال وطنيون لا يتنّكر لهم إلا الدّعي والمنافق !! إن التبسيط المبتذل والإرهاب الفكري الذي يمارس على الناس - ومن أطراف متعددة- بات مصدر تشويش وقلق لنا جميعاً.. من لديه مطالبات ليس – بالضرورة- معادٍ للنظام.. ومن يبتغي تحسين الأوضاع وحلحلة الملفات لا يجب أن يُحتسب – تلقائيا- كحليفً أو متعاطف مع حركة حق.. ومن يدعو للعدالة الاجتماعية ولتحسين الأوضاع لا يجب أن يصور – أوتوماتيكياً- على أنه إرهابي.. وضع المعارضة – كلها- في سلة واحدة رغم وجود بونً بين أساليب فئاتها وقناعتهم؛ فريةٌ كبرى.. واستثمار غير وطني للموقف.. كما أن الطعن في تاريخ ومصداقية من لا يبرر الأخطاء التي ارتكبت ، بوصفه متزلف أو منافق، غير مقبول أيضاً. فانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً أسلوب جاهلي – إلا- إن كان نصره بنهيه عن الخطأ .. **** إلى ذلك نخاطب، من يعرفون أنفسهم جيداً، ونقول : إن من يحب الوطن فعلاً، ويريد له الرفعة والنماء، يجب أن يبتعد عن شحن الموقف بمضامين خبيثة لصبّ الزيت على النار..فلا من يصورن البحرين على أنها قندهار نفعوا الوطن ولا من يصورونها على أنها جنة الله في أرضه بغارمين من تزلفهم ذاك.. فالسلاطنة والملوك عبر الزمان تضرروا من حواشيهم وبطانتهم التي زيفت لهم المشاهد والحقائق أكثر مما تضرروا من مناوئيهم .. أصدقوا السلطة القول واصدقوا الوطن النية.. الملفات الوطنية ليست مذهبية ولا علاقة لها بالمذهب.. فلا داعي للتصيد في الماء العكر على حساب الوطن ، وبدعوى حب الوطن ، لتعظيم المصلحة الشخصية واستمطار المكاسب على حساب الوطن.. !! شعب البحرين موالٍ لقيادته.. سنة وشيعة، عجم وهولة، بحارنة وعرب، أهل مدن وسكنة قرى.. وحصر الولاء في مائة عائلة أو ألف أو حتى عشرة آلاف إساءة لبلدٍ يتجاوز تعداده المليون.. من أخطأ حسبه القضاء فلا تحولوا الأحداث الأخيرة.. لقميص عثمان. حفظ الله البحرين وأهلها من الفتنة والشقاق،، والله – وحده- من وراء القصد