الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

قالَ مهاجماً متهكماً : تضحكني - حدَ السعال أحياناً- مقارناتكم واستشهاداتكم المتكررة بالأوضاع في الدول الديمقراطية ؛ فهل لديكم شعوب كتلكم الدول لتطالبوا بمن لديهم من حكومات ونظم ودساتير وحريات؟ لقد عاشرنا هؤلاء الأقوام سنيناً ونستطيع أن نقول بملء الفم : أنهم بتحضرهم وقيمهم الرفيعة جنسٌ مختلف عن "ربعنا الغجر" الذين يزدري العالم سفاهتهم وتخلفهم وعنفهم !
فليصل البحرينيون، والعرب إجمالاً، لعُشر مستوى التحضر والمسئولية التي نرى عليها الألمان واليابانيين والإنجليز بل والصينيين، قبل أن يطالبوا بالمعاملة والحقوق ذاتها..
****
موقف صاحبنا أعلاه، على صلافته وعنجهيته ، به وجاهة ظاهرية تستلزم الرد، سيما بأنه لا يبتعد بوصات عن موقف كثير من النخبة وذوي القرار في دولنا؛ وإن كانوا لا يعبرون عنه بالصراحة ذاتها.
ابتداءً سأستعير منه إشارته " للغجر" وأسأل: ما الذي جعل الغجر.. غجراً ؟
أنه غياب الاستقرار والترحيل القسري والحرمان من الحياة الكريمة ، فعلى مر التاريخ تعرض الغجر للاضطهاد والكراهية، ولطالما دمغوا بالتخلف والغوغائية، وحتى القرن الـسابع عشر كان هناك قانون ألماني يقضي بقتل كل غجري يبلغ الـ18 ما جعل هؤلاء في حالة ترحال دائم تبعتها بطبيعة الحال العزلة وغياب التعليم واللجوء للسرقة وتبني سلوكيات غير مألوفة للشعوب المستقرة.

ما نبتغي قوله – باختصار- لتصحيح الانطباع الظالم عن بعض الأعراق، أن لا عرق يعاني من جينات تخلف تسري في دمه، ولا عرق يُولد سامياً في ذاته بل الظروف والظروف وحدها هي التي تحدد سموه من انحطاطه. ولو توفّر للغجر فرص حياة عادلة لكان وضعهم مختلفاً.. والطبيب غجري الأصل جان سيبولا ، الفائز بجائزة نوبل ، هو دليلٌ شاخص على ما نقول..
في عودة لموضوعنا نقول.. نعم شعوبنا تعاني من عوج..تخلف أخلاقي وقيمي وفكري ولكن..أسألتم أنفسكم يوماً عن سره ؟
- لماذا يكتفي الموظف الحكومي بإنجاز عشر معاملات وهو قادر على الإجهاز على ستين يوميا؟ لأنه يعرف أنه " من يعزي، وحتى ذلك الذي لا يعزي، سيأكل من عيش الحسين" أليس كذلك..؟ لماذا يخترق الناسُ النظام وينسجون شبكة ( واسطات ) ويعتمدون على تشابك المصالح ؟ لأن المعاملات وإن كانت قانونية لا تسير بسلاسة أليس كذلك ؟
- لماذا تتصف الحركة المطلبية في دولنا بالحّدة والعدائية – تسألون.. في اليابان التي تحلفون برأس بشعبها ، يكتفي العامل بلبس شارة حمراء كوسيلة احتجاج فيُسمع لصوته ويُلبى نداءه وتُدرس مطالبه .. هاهنا يطالب المرء المقهور بحقوقه سلمياً فيتجاهلونه.. تخرج مسيرة لرفع مطالب مشروعة فُتقمع وتُسّفه وكأنها مسيرة نمل ما يدفع المرء للانفجار وحتى آنذاك.. لا يسمع صوته !!

- لماذا تعرف تلك الدول الولاء المطلق للدولة ككيان ، ولا يعانون من معشار تعقيداتنا رغم وجود عشرات الأديان والنحل والطرائق ؟ لأن المواطن لديهم يعامل كمواطن.. فيتصرف كمواطن، أليس كذلك ؟ أما هنا فيتعرض للتمييز - الإيجابي أو السلبي- على أساس طائفته وعرقه وقبيلته فلا يرى مناصاً من النظر لنفسه وللآخر من خلال هذه القوالب الضيقة..

- لماذا يتصرف المجتمع الأوربي برقي: يمسك الناس الباب لبعضهم، يتقنون أعمالهم ويبجلون العمل التطوعي و يبتسمون في وجه الغرباء ولا تسمع أبواقاً تنطلق في طرقاتهم دون سبب ولا شجارات ولا حركات بذيئة فيما تشعر وأنت تقود سيارتك هنا بأنك في معركة عين جالوت !!
ببساطة لأن الناس محتقنة، والمؤسسات الدينية التي يُفترض بها أن تحّث على الأخلاق والقيم مشغولة بالرضاعة من ضرع الحكومات وتنفيذ أجنداتها القاضية بالتشديد على الولاء للحاكم وإن كان ظالماً فاشلاً ، والتأليب على الطوائف وتعزيز التدين القشري المتعصب ومحاربة التدين العقلاني المستنير !! ****هل أعني بكل هذا أن الحكومات مسئولة عن تدمير أخلاق الشعوب ؟ بالطبع مسئولة..فعندما تجعلهم ينغمسون في التفكير في لقمة العيش لتصبح الثقافة كماليات ( للمتفذلكين) فقط.. وعندما تكبت الموهوبين والأذكياء والحكماء وتحرمهم من فرص الترقي وتفضلُ عليهم مساحي الجوخ وحبابي الخشوم.. وعندما تتغاضى عن الفاسدين في صفوف السلطة ولا تعاقب على الرشوة والسرقات والتخاذل عن الواجب ما يشجع الشعب على فعل المثل لأن القيم الفاسدة – كما قال ابن خلدون- تمتد من النخب للعوام فتحولهم مع الوقت من ضحايا لتلك القيم لممارسين لها.. النظام العام هنا ، نقول ، هو ما أفسد الناس وليس العكس فلا تقلبوا الحقائق..ولا أدل على ما نقول من أن " ربعنا الغجر" ذاتهم يتحولون لأناس منتجين متحضرين راقين يحترمون النظام ويخضعون له فور استقرارهم في الخارج..
نقول: إن كنتم تريدون شعباً متحضراً راقيا يا سادة.. شعباً ملتزماً يحترم العمل ويتقنه ويقدر النظام كشعوب الدول التي تدرسون وتصيفون في أحضانها.. فالحل في كلمة واحدة لا أكثر.. كلمة واحدة لها رنين الذهب.. العدالة، ما أجملها من كلمة، العدالة في توزيع الثروات.. العدالة في مكافأة المجدين ومعاقبة المتخاذلين، العدالة في معاملة للمواطنين، العدالة في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن انتماءاته وعلاقاته.. العدالة يا سادة ، والعدالة فقط ، هي المفتاح لكل مشاكلنا .. وأراهنكم أننا بعد تسيدها لن نصبح منضبطين كالشعوب الأوربية فقط.. بل قد تصبح بشرتنا حليبية وأعيننا زرقاء مثلهم أيضا (:

والله – وحده- من وراء القصد