السبت، 18 سبتمبر 2010

يستحق من " هندس" الحلقة الخاصة بالكشف عن متهمي الخلية الإرهابية – حقاً- أن تشتري له الدولة ، وعلى نفقتها، خيزرانة لتلطشه فيها. ثم تشتري له تذكرة سياحية - وعلى نفقه الدولة- لتعيده بها من حيث أتى.. وتختم الأمر بشراء " قدو" على نفقة الدولة ، الأخ غير الشقيق " للقُلة " المصرية، لكسره وراءه في المطار اتقاءً لعودته ،،
أما لمّ افترضنا أن فكرة استعراض " مغانم المواطنين" في صحف اتهامهم هي فكرةٌ وافدةٌ بامتياز؛ فببساطة لأن المنّ ليس من شيم البحرينيين.. ولن يخطر ببال بحريني أصيل أن يبث للعالم نبأ حصول مواطن على 300 دينار أو ابتعاثه لدورة في اللغة الانجليزية أو المباهاة بما تحصّله والد هذا المتهم أو ذاك ، بل أخوته وأخواته، من قروض وخدمات إسكانية وتعليمية !! ولو كان صاحبنا هذا مواطن - ونستبعد - فهو حتما بحريني "جديد" لم يتشرّب أخلاق البلد بعد.. ولم يفهم العقد الاجتماعي الذي تستمد منه الدولة شرعيتها.. ولم يستوعب - بعدُ - طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين ضمن المنظومة الخليجية ولا زال أسير عقلية " أحمدوا ربكم يا زلمات" التي تقارن المعيشة في دولهم الأم وبين معاشنا في دولنا الخليجية الأبوية الريعية عقدية الدستور..!
***
شخصياً؛ شطحت بالفكر أفكر بم ستذيل صورتي إن دارت الدوائر ووجدت نفسي ضمن "الممنون عليهم والضالين"..
حسناً؛ بما أني وجهتُ وجهي قبلّ المشفيات الخاصة منذ أعوام فلن يمنوا علي إلا بـثلاث حشوات أسنان وضعتها في صغري على نفقة الدولة.. وبتقطيب جروحي في الطوارئ، على نفقة الدولة، بعيد حادث.. ولا أعرف يقينا إن كانت دراستي في الخارج – بعد أن كنت الأولى على دفعتي- ستُحتسب على نفقة الدولة أم لا لكونها منحة.. وبما أن الأب والأخوة صاروا " وفقاً للجهابذة المفوهين الذين أعدوا الحلقة" شركاء في التهم مستحقين للتشهير والذلّ العلني. فلربما سيُذكر أن إحدى أخواتي حصلت على قرض أسكاني وأن الثانية درست الطب على نفقة الدولة.. وأن الشارع المتاخم لمنزلي بُلط بالإسفلت على نفقة الدولة كما وأدين لنفقة الدول بحقيقة أن الشوارع التي تطوق منزلي مضاءة دوما.. بنور عطايا الدولة طبعا..!
وما الضير ؟ فكلنا يعيش على نفقة الدولة بشكل أو بآخر، بما فيها السلطة والمسئولين أنفسهم ، فما الداعي لإقحام تفاصيل كهذه أوجعت وأهانت كلُ من حصل يوماً على خدمة يعتبرها من صميم حقه كمواطن، في سابقةً لم نرّ لها سمياً لا في القضايا الجنائية ولا الأخلاقية ولا حتى الأمنية في عز أيام أمن الدولة..!! والحق أنه لا يمكن قراءة الأمر إلا من زاوية أن المتمصلحين والمتنفعين من إضرام نار الفتنة في حشا البلاد يريدون شحن المجتمع بكومة أحقاد في سبيل مزيداً من الفصل بين الحاكم والمحكومين للاستفادة من هذه الفجوة في استلاب مزيد من المكاسب والمواقع والنفوذ شأنهم بذلك شأن أسلافهم من وعاظ السلاطين الذين أخبرنا عنهم التاريخ مراراً..
ندرك أن السلطة غاضبة، ولكن غضبها يجب أن لا يدفعها لتكسير ثوابت ولا العفّ عن ترميم ما تفسخ.. فشأن الدولة لا يُصلح بالمن ولا بالتخوين أو بالهراوة بل بضم السلطة لأبنائها تحت جناحيها .. الشعب يريد الاستقرار والنماء ولا يريد للعائلة الخليفية بديلاً ، تأكدوا من ذلك، ولكنهم يريدون تحسين أوضاعهم وتعزيز تكافؤ الفرص والشفافية وحماية الحريات والمال العام وردع المعتدين والعادين.. يريدون أن يعاملوا بشكل متساو أمام القانون وأمام الحكومة، لا أكثر ولا أقل، ويتمنون أن يشعروا بأنهم عزيزين على حكومتهم وأنها لا تنظر لهم بعين الشك والريبة ولا تفضل الوافد عليهم..
****
كنت في مقال سابق قد انتقدت شريحة من المعارضة لمطالبتها بالحقوق الشرعية بطرق غير شرعية.. داعيةً هؤلاء لانتهاج سبل حضارية في التعبير لأن العنف لغةٌ ينبذها العالم وتحاربها الأديان والثقافات ولا تأتي بالمكاسب بل تستمطر شهوة الانتقام ما استبدت بأرض إلا وكسفتها.. ونطالب السلطة هاهنا بالمثل.. بضبط خطابها والالتزام بالقدر الضروري من الحزم والقدر الأساسي من التسامح.. والترفع عن انتهاكات غير ضرورية لكرامة وحقوق المواطنين لها أكلاف مستقبلية ولا فائدة تُرتجي منها.
نعم ، بالإمكان العودة للتسعينات وبشكل أشرس أيضا والترسانة العسكرية لديكم لا لدى أبطال الدخان.. وبالإمكان أيضا التوجس من طائفة عريضة من الشعب وتهميشها ونبذها.. ولكننا بذلك سندور عكس عقارب الساعة وعكس اتجاه دوران الأرض.. لن نتقدم وسنعيش في ركود وسنحاصر في جلودنا والعالم يتسابق من حولنا .. وهذا بعيدٌ على أية حال عن ما يريده حاكمنا وما يحلم به ولي عهدنا وما يرتضيه رأس حكومتنا.
الدوران في فلك التصعيد والتهدئة – نقول- خيار صالح للـ100 عام القادمة.. ولكن فك هذا الاشتباك بتعديل أوضاع المواطنين، كل المواطنين، والتأسيس للمواطنة الصالحة والحكم الرشيد للمضي في طريق التقدم والبناء.. خيار أيضاً ..
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد ..