الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

فيما وصف بواحدة من " أكبر عمليات إعادة التسلح في التاريخ" أماطت الـ فايننشال تايمز البريطانية اللثام عن صفقات أسلحة بقيمة 123 مليار دولار أبرمتها الولايات المتحدة مع دول الخليج هذا العام ( نعلم أن الأرقام الضخمة " تدوده" قراءنا وعليه نذّكر أن المليار ألف مليون!!) وتحدث صحيفة الوول ستريت جورنال" إن الإدارة الأمريكية تجري محادثات إضافية مع دول خليجية بغية تزويدها بسفن حربية وأنظمة دفاع مضادة للصواريخ بعشرات المليارات.. ووفقاً للـBBC فإن الإدارة الأمريكية تدرج هذه العقود في إطار سياسة " تقوية حلفاء واشنطن في مواجهة إيران" بعبع أمريكا الجديد بعد زوال الإتحاد السوفيتي واحتلال العراق !!
الخبر مزعج.. لا من جهة أن أمريكا تستنزف دول الخليج ماليا باستخدام "فزاعة إيران" بعد أن استنزفت أموال العالم بتخويفه من " الأسلحة النووية العراقية" التي لم يظهر لها – بعد زهاء 7 سنوات من احتلال العراق- إي أثر.. ولا من جهة أن دول الخليج تزيد في ترسانة عسكرية تصدأ من قله الاستخدام ما يضطرها لصرف مليارات إضافية لصيانتها.. بل ما يجّلد النفس حقاً هو واقع أن تلك المليارات ، وعوضاً عن أن تُوجه لإطلاق صناعات، ولبناء مشفيات ومدارس، ولتطوير بني تحتية.. ستذهب لتوفير دفعة قوية لصناعة الدفاع ولمصانع الأسلحة الأمريكية التي تنبأ مركز "أنطوني كوردسمان" للدراسات الإستراتيجية بأنها ستشهد عاماً مزدهراً جراء هذه الصفقات !!
المفارقة هنا أن دول الخليج ، تلك الدول نفطية المسالمة التي تفجرت ثروتها من قيعان الأرض، لا تواجه – أصلاً- أيه تهديدات عسكرية حقيقيه وليست لديها عداوات تُذكر " اللهم إلا تلك التي تستوردها كحليفه لأمريكا" ولكنها رغم ذاك تنهك ميزانياتها بالتسليح عوضاً عن مواجهة تحدياتها التنموية ودخول السباق الصناعي ، الذي يحتاج لمعدات وأدمغة تملك دولنا اليوم السيولة اللازمة لشرائها، وتملك السوق المستهلك المتعطش لها، إلا أنها ما زالت تتمسك بدور الوريث المتهور الذي حصل على تركه ضخمة لم يرّق في سبيلها قطره عرق ؛ فطفق يصرف منها دون رشد !!
****
المفارقة الأكبر تتمثل في أن هي أن تلك الصفقات تُصرف في توقيت حرج.. حيث الأزمة المالية تنخر في المجتمعات والغلاء يهتك الأوصال.. ناهيك عن استحكام الأزمة الإسكانية وتعالى الشكاوى من تواضع الخدمات الصحية وتآكل البنى التحتية " كلكم شهد كيف حل الدمار ببعض المدن الخليجية نتيجة الأمطار العام الماضي بسبب تهالك البني التحتية "، فالحياة في دول الخليج ليست براقة كما تبدو للناظرين من عليائهم.. الطرقات والشوارع الرئيسية ؛ وتلك التي تطوق المطارات والمناطق الحيوية ؛ حديثة متطورة نعم ؛ ولكن جلّ المناطق الداخلية والقرى – وفي أغلب الدول الخليجية- لا تختلف حقاً عن المناطق المهملة في أفقر دول العالم.. خلا تزايد التحديات المتعلقة بالبطالة في مجتمعاتنا الفتيه ( 45% من التعداد السكاني في المتوسط مازالوا في المراحل التعليمية المختلفة " ما يعني بأن المؤسسات التعليمية تضخ – سنويا- عشرات الآلاف من الشباب لسوق عملً عاجز عن استيعابهم وامتصاصهم !
ولو وسعنا النظرة ونظرنا لأبعد من أنوفنا ، فسنضحك حد السعال من حقيقة أننا ننفق على الدفاع والتحشيد العسكري أكثر مما تنفقه بريطانيا نفسها " ميزانية وزارة الدفاع البريطانية بأكملها 59 مليار دولار وتقرر مؤخراً تخفيضها لأقل من 10% بسبب ضغوط وزير المالية الشاب جورج اوسبورن، كما أن دولة عظمى كاليابان تصرف أقل من 3% من دخلها على الدفاع وليس لديها جيش !! إيران نفسها ، الدولة التي حولتها القوى الدولية لـ" فوبيا" عربية ننفق " ما ورائنا وأمامنا" لنواجهها؛ لا تصرف أكثر من 4 مليار سنويا على التسلح. ووفقاً لموقع "CIA" فإن دول الخليج تسبق حتى إسرائيل نفسها في الإنفاق على التسليح وهو ما يدفعنا للتساؤل عن سبب تدافع دويلات صغيره، لا تعاني من تهديدات خارجية بقدر ما يجب أن تؤرقها التحديات الداخلية، على إرهاق نفسها بصفقات كهذه.. أما الأهم فهو: ما جدوى تحالفاتها واتفاقياتنا العسكرية المكلفة مع الدول العظمى إن لم تكن هي من سينهض بحمايتنا إن ما تعرضنا لهجوم يوما !!
أن القيادات الخليجية، ولأنها عاجزة عن تلمس احتياجات المواطنين، تخطأ في توجيه ثلث ميزانياتها للتسليح ولو أدرك هؤلاء ما تعانيه شعوبهم لأوقفوا التبذير على الأسلحة ووجهوا الميزانيات لما هو مهم وفاعّل حقاً.. سيما وأن تجربة غزو الكويت ، التي كانت الاختبار الوحيد لفعالية التحشيد العسكري الخليجي، قد أثبتت أن القوات الخليجية ليست قادرة – بنفسها- على حسم الصراعات العسكرية وأن تحالفاتها – لا جيوشها- هي قوة الردع الوحيدة التي تملك