الأربعاء، 11 أغسطس 2010

ما يتحدث عنه الناس اليوم هو صرة التابل التي صارت بـ250 فلساً وكيلو الكوسة الذي اضحى بـ800 ،والخس الذي صار بدينار ونصف " أغلى من اللحم بالمناسبة " وكيلو التفاح الذي غدا بـ1.200 !!
الكل يغني على طفرة الأسعار في رمضان بمواويل حزينةً دامعةً كمطالع الأغاني العراقية، ويندبون حظوظهم كالولاية " جمع ولية" على تآكل رواتبهم ومدخراتهم والشهر ما زال غراً في أوله.
ويتبرم هؤلاء متسائلين : إن كان هذا هو حالنا فكيف تعيش إذن الجموع التي لا تتجاوز مداخيلها الـ200-250 ديناراً " وهؤلاء ليسوا بقلة في البحرين" ؟ كيف يعيش المتقاعدون والعاطلون والمدينون والمعاقون إن كان ذوي المهن والتخصصات يعانون شظف العيش وسط هذا الغلاء المستعر ؟!
قفْ دقائق بمحاذاة مناضد الدفع في المحال الكبرى وتأمل ملامح أرباب الأسر وهم يرقبون تراكم مبالغ السلع على شاشة الحساب.. تأمل كيف تتقلص ملامحهم وتضيق عيونهم كمن ينتظر – باستسلام- خبرا سيئاَ ، ولاحظ كيف يهز – في حركة لاإرادية- رأسه ما أن تنطق الموظفة بالمبلغ !!
مشاهد تُدمي القلب وتجرح الضمير الحي.. وأكاد أقسم أني صرت أميّزُ في جبين المعسرين عضلة يبدو وكأنها انكمشت للأبد.. فأورثتهم مسحة مرارة وبؤس لا تكاد تفارقهم..
كل هذا ووزارة التجارة تسبح في العسل الأسود ومن وراءها الحكومة بأكملها التي تركت المواطن البسيط ليصارع غول الغلاء وحده " فليأكل من يأكل وليجع من يجوع" – هذا هو لسان حالهم- وليتقلص استهلاك المواطنين للمزروعات لحساب النشويات واللحوم وليتراجع تبعاً لذلك مستوى الصحة العام " خير يعني" ما وزن مسألة كهذه في قاموس المسئول؛ سيما إن كان غير مسئولا.. !!
****
قبل حوالي عام ونصف العام قامت شركة “ يوغوف سراج” بدراسة كشفت بأن كلفة المعيشة في الخليج ارتفعت بنسبة 24% خلال عام واحد، ورصدت دراسات شبيهة ارتفاع أسعار بعض السلع بنسبة 339 % في السنوات الخمس الماضية.. ورغم أننا - للأمانة- لسنا بحاجة لدراسات لتقول لنا ما نراه ونلمسه إلا أن تلك الدراسات – تقفع- أعين من ينكرون المشهد. فهامش الفقراء يتسع تباعاً، وقد أهال الغلاء التراب على جثمان الطبقة الوسطى.. ولولا حزمة إجراءات الحكومية التي سارعت لها دول الجوار " ولم تكن البحرين إحداها بالطبع" لدكّ الهرم الطبقي في دول الخليج كافة ..
******
فحكومة دبي مثلاً رفعت رواتب موظفيها 70% دفعة واحدة، ومنعت جزئيا تصدير بعض المواد الرئيسة، وحددت سقف الزيادة السنوية على الإيجارات بنسبة 5 %، ووضعت لائحة بأسعار 200 مادة وسلعة غذائية ومنعت – بقوة القانون- زيادة أسعارها.. في الكويت سارعت وزارة التجارة بتكليف بيوتات الخبرة بإجراء دراسات ، لا لتجميل الوضع وإنكار الأزمة كما نفعل في البحرين، بل للوقوف على أبعادها الحقيقة وانتهت لتوقيع مذكرة تفاهم مع سلسلة محال معروفة لتثبيت أسعار 32 مجموعة سلعية كمرحلة أولى ، وضغطت الحكومة على الجمعيات التعاونية لبيع بعض السلع الأساسية بسعر التكلفة، كما وضخت أموالاً طائلة للمواطنين على هيئة قروض ومنح للحفاظ على رفاه الشعب.
ولكي لا يقال أننا نضرب الأمثلة بالدول المرفهة حصراً نأتيكم بمثال من موريتانيا. فقد رفعت الحكومة الموريتانية كل الرسوم الجمركية عن الأرز وبعض السلع الغذائية، وثبتت سعر القمح وزادت الرواتب بنسبة 10% وخصصت 150 مليون دولار لمكافحة تغّول الغلاء.. في عمان أطبقت الحكومة قبضتها على رقبه التجار، وتوعدت المتلاعبين بالأسعار بالويل والثبور وعظائم الأمور وهو ما نحتاجه بشدة في البحرين. فالتجار من ماركة " أبو أربعة وأربعين" استغلوا راية الغلاء خير استغلال.. فرفعوا أسعار ما لم يرتفع سعره، وبالغوا في رفع ما ارتفع سعره، ولم لا يفعلون ومن يردعهم .. الحكومة التي ما تفتأ تنكر المشكلة أم وزارة التجارة التي تعتبر التضخم والغلاء أمراً طبيعياً ويجب تقبله والتعايش معه كواقع وتخرس كل من يتحدث عنه !!
إن اختلاف أسعار البضائع من منفذ بيع لآخر..واستمرار التجار في توسعة هامش ربحهم رغم احتدام الأوضاع. وعدم التزام المحال بأسعار السعر المعلنة وتحايلها على المستهلك بتسجيل سعر وتقاضي آخر في مخالفة صارخة لكل النظم العالمية القاضية بحماية المستهلك.. وعدم تثبيت أسعار مواد ونشر تسعيرة للخضروات وإلزام التاجر بها كما يحدث في دول مجاورة، كلها أوجه تقصير تثبت المعالجة السيئة للأزمة..
وفيما عدا مكرمة الغلاء سيئة الصيت، لم نر تحركات حقيقة أو جهود مخلصة لتحسين الوضع حتى أن الناس ملت وتشبعت وتوقفت حتى عن الشكوى ورضخت للواقع.. إلا قليلاً..
وكل عام وبؤسكم بخير يا شعب البحرين ،،