في كتابة "what is really wrong with the middle east " يستخدم الباحث البريطاني برايان ويتيكر نظرية "الأبوية المستحدثة" لتحليل العلاقة بين الحاكم والمحكومين في الشرق الأوسط، معزياً تخلف الشعوب العربية ونزوعها للعنف إلى العلاقة ، أبوية الطابع، التي تجمع القائد بالشعب.. فبما أن إرادة الأب – في الثقافة الإسلامية والقبيلة - مطلقة وتعسفية فذلك ما يورث القهر والظلم للمجتمعات التي تخفق في ترسيخ مفاهيم المواطنة بسبب طغيان الولاءات التقليدية ما يؤدي – تلقائيا- لاحتكار القوة والثروة وتعثر التنمية.
تلك الفكرة تنطبق بعمق على المشهد البحريني والعربي بشكل عام.. فمن مناكد الحياة السياسية في البحرين تقسيم المواطنين - بشكل جائر- لموالين ومعارضين "رغم أن المعاداة – لغةً- هي نقيضُ الموالاة ولكنهم اعتمدوا مفردة معارضة تلطفاً ". فأما أن تكون موالً للسلطة ، وأبناً باراً لها، تتبنى خطابها وتبارك خُطواتها بإيجابية خديجة الوعي – أو- تكون معادً متوجس من السلطة ومنتقص من منجزاتها بسلبية غير رشيدة. وهو تقسيم مغشوش ومتخلف في آن. مهّد لخطابات متشنجة قادت البلاد للشلل. أما الواقفون في المنتصف فيعدون متواطئين منافقين أو متذبذبين في أحسن الأحوال لا تثق فيهم السلطة وترتاب منهم المعارضة ما قد يضطرهم في النهاية للانحياز لأحدى المعسكرين. وتلك حالة موصوفة في علم السياسة : فالأنساق السياسية المغلقة تنتج خطابات سياسية مغلقة ما يفتح المجال لأستيلاد العنف: عنف الخطاب، عنف الشارع، عنف الحوار الذي نرصده في المنتديات والملتقيات.
هذا الواقع السياسي المتشظي أدى لاستباحة الكثير من حقوق المواطنين التي هي من واجبات الدولة.. فلتحقق الشعوب أية مكاسب تُذكر يجب أن تكون متوحدة في مطالبها وهو ما كان متحققاً حتى التسعينات.. حتى وجد مستشارو السلطة الأجانب " تخريجهً" عبقرية لتشطير الشارع عبر رمي بعض المكاسب الزهيدة لفئات من الشعب بغرض إقناعهم بأنهم محظيون مقربون وبالتالي دفعهم لرفض كل الحركات المطلبية التي ترفع شعار العدالة وتجريم التمييز باعتبارها محاولات " لاقتلاع المكاسب منهم".. وبهذا يسهل تصوير المعارضة والمطالبات الشعبية – في الداخل والخارج- بأنها " معارضة مذهبية تستهدف اختطاف البلد والإطاحة بنظام الحكم السني تنفيذاً لمخططات خارجية" !!
هذه الأطروحات الخبيثة زُرعت زرعاً في المخيلة الثاوية لكثير من أبناء الشعب عبر آلية ممنهجه اتخذت من بعض رجال الدين والسياسة وأسماء مندسة في الصحافة والمنتديات والمجالس وسيلةً للتأسيس لوعي مزيف شطّر المعارضة طائفياً بعد أن كانت وطنية ما أضعف المطالبات وأزّم الأوضاع بالشكل الذي نراه.. المفارقة في الأمر أن الموالين " مع تحفظنا على التسمية"، وباستثناء بعض العائلات والمتنفذين بالطبع ، لا يعيشون ظروفاً أفضل من تلك التي يعيشها باقي الشعب ولا تبدوا مناطقهم وأوضاعهم العامة أفضل من سواهم. فهم يجلدون بسياط الفساد عينه وتجرعون مّرارة الضغوط ذاته ويتلمسون – بحسرة- الفجوة التي تفصلهم عن أشقائهم في الخليج - وعدا إيثارهم بوظائف في وزارتي الدفاع والداخلية التي يزاحمهم المجنسون عليها بشراسة- فهم لا يحصلون على مكاسب حقيقية بل على العكس.. مظاهر الرضا الدائم التي اكتسوا بها حرمتهم كثيراً من حقوقهم المشروعة ولكنهم يؤثرون المعاناة بصمت على المعاناة بصخب لأنهم – كأبناء لا كمواطنين- مطالبون بطاعة الأب/ السلطة/ الحكومة وعدم مساءلتها أو نقدها كي لا يصنفوا كأبناء عاقين ويخسروا الامتيازات التي "يتوهمون" امتلاكها .. ولا نعرف كيف يمكن لديمقراطية حقيقية أن تقوم في ظل فهم كهذا لا يحتمل مساءلة السلطة بل ويراها جريمة أحياناً !!
مشكلتنا نحن العرب أننا مولعون بإعادة اختراع العجلة..
لقد وصلت دول العالم، بعد سنوات من الصراع والتناحر الدموي، لصيغة مرضية في إدارة الدولة قائمة على أن الشعب هو السلطة، والحكومات هي وكيلةً للشعب في إدارة الدولة وله أن يحاسبها ويقوّمها دون أن يتهم بالمعاداة – بل ويكون مواطناً صالحاً إن فعل.. وهذا بالمناسبة مبدأ إسلامي صرف سنّه أبو بكر الصديق بإلحاحه على الرعية في أول خطبة له بعد الخلافة قائلاً "إني وُلَيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" وهي القاعدة الشرعية التي يحاول فقهاء السلاطين دفنها منذ عقود.
أن شعب البحرين – قاطبة- مطالبٌ أن يقف كسد منيع أمام محاولات استلاب وعيه وسلطته.. وعليه أن يتمرد على التقسيمات المزيفة والتعريفات الانتقامية التي تُنكر عليه مطالبته بحقوقه وتحشرهُ في خانة المعادين والعملاء إن هو ما فعل.. فالناظر – بإنصاف- لخطاب القوى الوطنية " التي ُتسمى ارتجالا بالمعارضة" لن يجد فيه مطالبات بتغيير نظام الحكم، ولا التمرد على وجود العائلة الحاكمة -ولا أياً من هرطقات الخبثاء من وعاظ السلطة- بقدر ما سيجد فيه طرحاً لمطالب شرعية وإنسانية يطال خيرها شعب البحرين كافة. الشعب الذي يوالي السلطة السياسية ولا يريد لها بديلاً ولكنه يطمح أن يعامل أفراده كمواطنين وشركاء.. لا كرعايا..
تلك الفكرة تنطبق بعمق على المشهد البحريني والعربي بشكل عام.. فمن مناكد الحياة السياسية في البحرين تقسيم المواطنين - بشكل جائر- لموالين ومعارضين "رغم أن المعاداة – لغةً- هي نقيضُ الموالاة ولكنهم اعتمدوا مفردة معارضة تلطفاً ". فأما أن تكون موالً للسلطة ، وأبناً باراً لها، تتبنى خطابها وتبارك خُطواتها بإيجابية خديجة الوعي – أو- تكون معادً متوجس من السلطة ومنتقص من منجزاتها بسلبية غير رشيدة. وهو تقسيم مغشوش ومتخلف في آن. مهّد لخطابات متشنجة قادت البلاد للشلل. أما الواقفون في المنتصف فيعدون متواطئين منافقين أو متذبذبين في أحسن الأحوال لا تثق فيهم السلطة وترتاب منهم المعارضة ما قد يضطرهم في النهاية للانحياز لأحدى المعسكرين. وتلك حالة موصوفة في علم السياسة : فالأنساق السياسية المغلقة تنتج خطابات سياسية مغلقة ما يفتح المجال لأستيلاد العنف: عنف الخطاب، عنف الشارع، عنف الحوار الذي نرصده في المنتديات والملتقيات.
هذا الواقع السياسي المتشظي أدى لاستباحة الكثير من حقوق المواطنين التي هي من واجبات الدولة.. فلتحقق الشعوب أية مكاسب تُذكر يجب أن تكون متوحدة في مطالبها وهو ما كان متحققاً حتى التسعينات.. حتى وجد مستشارو السلطة الأجانب " تخريجهً" عبقرية لتشطير الشارع عبر رمي بعض المكاسب الزهيدة لفئات من الشعب بغرض إقناعهم بأنهم محظيون مقربون وبالتالي دفعهم لرفض كل الحركات المطلبية التي ترفع شعار العدالة وتجريم التمييز باعتبارها محاولات " لاقتلاع المكاسب منهم".. وبهذا يسهل تصوير المعارضة والمطالبات الشعبية – في الداخل والخارج- بأنها " معارضة مذهبية تستهدف اختطاف البلد والإطاحة بنظام الحكم السني تنفيذاً لمخططات خارجية" !!
هذه الأطروحات الخبيثة زُرعت زرعاً في المخيلة الثاوية لكثير من أبناء الشعب عبر آلية ممنهجه اتخذت من بعض رجال الدين والسياسة وأسماء مندسة في الصحافة والمنتديات والمجالس وسيلةً للتأسيس لوعي مزيف شطّر المعارضة طائفياً بعد أن كانت وطنية ما أضعف المطالبات وأزّم الأوضاع بالشكل الذي نراه.. المفارقة في الأمر أن الموالين " مع تحفظنا على التسمية"، وباستثناء بعض العائلات والمتنفذين بالطبع ، لا يعيشون ظروفاً أفضل من تلك التي يعيشها باقي الشعب ولا تبدوا مناطقهم وأوضاعهم العامة أفضل من سواهم. فهم يجلدون بسياط الفساد عينه وتجرعون مّرارة الضغوط ذاته ويتلمسون – بحسرة- الفجوة التي تفصلهم عن أشقائهم في الخليج - وعدا إيثارهم بوظائف في وزارتي الدفاع والداخلية التي يزاحمهم المجنسون عليها بشراسة- فهم لا يحصلون على مكاسب حقيقية بل على العكس.. مظاهر الرضا الدائم التي اكتسوا بها حرمتهم كثيراً من حقوقهم المشروعة ولكنهم يؤثرون المعاناة بصمت على المعاناة بصخب لأنهم – كأبناء لا كمواطنين- مطالبون بطاعة الأب/ السلطة/ الحكومة وعدم مساءلتها أو نقدها كي لا يصنفوا كأبناء عاقين ويخسروا الامتيازات التي "يتوهمون" امتلاكها .. ولا نعرف كيف يمكن لديمقراطية حقيقية أن تقوم في ظل فهم كهذا لا يحتمل مساءلة السلطة بل ويراها جريمة أحياناً !!
مشكلتنا نحن العرب أننا مولعون بإعادة اختراع العجلة..
لقد وصلت دول العالم، بعد سنوات من الصراع والتناحر الدموي، لصيغة مرضية في إدارة الدولة قائمة على أن الشعب هو السلطة، والحكومات هي وكيلةً للشعب في إدارة الدولة وله أن يحاسبها ويقوّمها دون أن يتهم بالمعاداة – بل ويكون مواطناً صالحاً إن فعل.. وهذا بالمناسبة مبدأ إسلامي صرف سنّه أبو بكر الصديق بإلحاحه على الرعية في أول خطبة له بعد الخلافة قائلاً "إني وُلَيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" وهي القاعدة الشرعية التي يحاول فقهاء السلاطين دفنها منذ عقود.
أن شعب البحرين – قاطبة- مطالبٌ أن يقف كسد منيع أمام محاولات استلاب وعيه وسلطته.. وعليه أن يتمرد على التقسيمات المزيفة والتعريفات الانتقامية التي تُنكر عليه مطالبته بحقوقه وتحشرهُ في خانة المعادين والعملاء إن هو ما فعل.. فالناظر – بإنصاف- لخطاب القوى الوطنية " التي ُتسمى ارتجالا بالمعارضة" لن يجد فيه مطالبات بتغيير نظام الحكم، ولا التمرد على وجود العائلة الحاكمة -ولا أياً من هرطقات الخبثاء من وعاظ السلطة- بقدر ما سيجد فيه طرحاً لمطالب شرعية وإنسانية يطال خيرها شعب البحرين كافة. الشعب الذي يوالي السلطة السياسية ولا يريد لها بديلاً ولكنه يطمح أن يعامل أفراده كمواطنين وشركاء.. لا كرعايا..