الثلاثاء، 22 يونيو 2010


في حضرة رسالة ماجستير لافتة تدرس دور الضحية فيما يقع عليها من ظلم واعتداء - ابتسمت- وأنا أتذكر كاليجولا؛ الشاب الروماني الذي لُقب « بإمبراطور الدماء والعطور» والذي ذكره ديورانت في كتابه (قصة الحضارة) ووجدت فيه أنموذجاً – ولو متطرفاً- لما بات علم الجريمة الحديث يسعى لإثباته.. فكاليجولا ذاك بدأ حياته ميالا للخير والفن والأدب حتى تسلل سم السلطة المطلقة لعقله فطغى؛ وفقد عقله..
طلب من أعضاء مجلس الشيوخ تقبيل قدميه، فلما قبلوها وسحب جل صلاحياتهم.. ثم جعل حصانه المحبوب (انستاتس) عضوا في مجلس الشيوخ، ولاحقاً، لما وصل العته به مداه، اختاره مسانداً!!
ولم يكن في حياته الشخصية أقل غياً.. إذ كان يستحم بالعطور عوضاً عن الماء، ويبذخ بشكل أفلس معه خزينة الدولة.. كما دأب على تطليق النساء من أزواجهن ليتزوجهن، ووصل به الأمر أن قتل زوج أخته درازيللا ليتزوجها هو..!!
ومن طرائف وحشيته أنه قرر يوما تقديم كل المساجين «الصلع» وليمة لأسوده ونموره - وهم أحياء- تعبيراً عن سخطه على الصلع لما بدأ يفقد شعره !! ومنها أنه أقام ذات مرة مأدبة لضيوفه وذكرهم خلالها انه قادر على قتلهم كلهم حيثما هم متكئون؛ فلما ضحكوا ساخرين أمر بقتلهم جميعاً..!! في أيامه الأخيرة، وقبل أن يتآمر عليه ضباطه ويقتلوه، سأله احد ناصحيه « لم تفعل كل هذا؟»، قال «لمجرد أني أستطيع..»
قصة كاليجولا، وكما هي مثال على ما تفعله السلطة المطلقة بالعقل البشري، هي مثال أيضاً على ما يمكن أن يجره الفرد/ المجموعة على أنفسهم من ويلات جراء الضعف والاستكانة.. واسمحوا لنا أن نأخذ الأمر هاهنا من زاوية فلسفية قليلا:
الطبيعة البشرية، في صيغتها البدائية، قائمة على الأنانية والرغبة في التمدد والتضخم على حساب الآخرين.. الشاهد الأوضح للتدليل على ذاك هو التذكير برجل الكهف؛ الإنسان بصيغته غير المشذبة ولا المروضة.. فرجل الكهف، كان يأكل ويستخدم ويستعبد كل حيوان وإنسان يستطيع هزيمته. أما الحيوان الذي لا يملك الجلّد والقوة على مقارعته فقد كان يتحاشاه ويفر منه ..
ولو نظرنا بعمق للسبب الرئيس في وجود العبودية والسلطوية فسنجد أنها ليست في وجود فرد/ مؤسسة/ نظام جبار.. بل في وجود من يركن/ يرضخ/ يستكين/ يقبل بهذا الفرد الظالم أو النظام الجبار.. بهذا التوصيف فكل من يعاني القهر والعبودية مشارك - بدرجة ما قلت أو كثرت- في استمرار معاناته «ونشدد هنا -لا في خلقها- بل في استمرارها وإدامتها» وهو ما يدافع عنه تيار جديد في علم الجريمة الحديث إنما على مستوى فردي..
فالقاتل المتسلسل.. المغتصب.. والسارق لا يختار ضحيته -حقاً- بعشوائية.. بل يكون معادلة حسابية لا شعورية « تستغرق ثواني على الأرجح›› يقرأ فيها ضعف الآخر.. استسلام الآخر.. اهتزازه وانهزاميته قبل أن يقرر أنه - دوناً عن سواه - يصلح لأن يكون ضحيته..
ربما، وأمام هذه المعلومات، آن لنا أن نسأل:
كم مرة جررنا الظلم على أنفسنا.. وكم مرة شجعنا - كأفراد أو جماعات - مهمة التعدي علينا ؟! وبأي قدر كنا نحن جلادينا؛ وكانوا هم ضحايا ضعفنا..