شعرت بالغثيان، وأمتطى بعض الغضب جسدي، وأنا أرى صورة المواطن "محمد" مطأطئ الرأس في انكسار برفقة عائلته التي " استعرضها" حزب الإنسان أمام ضيوفه مُتباهياً بمساعدتهم مادياً في حفل أقيم – خصيصاً- لهذا الغرض دون مراعاةً لحرج الزوجين وبما سيطال الأطفال من قسوة أقرانهم..!! فبعد أن وجد السيد الموسوي أن الإعلان عن حزب الإنسان – ورغم كل ما سُخر له من إمكانيات مادية وإعلامية - لم يحرك في الناس إلا الشفقة على شخصيةً " احترقت" أوراقها وما زالت تكابد للبقاء تحت الأضواء؛ وجد أن خير طريقةً للتسويق لـ"جنينه الميت" هي تحويله لصندوق خيري للمتاجرة بالحرمان الذي ركب قاربه بالأمس فأوصله للشط . فقدم مساعدةً لأسرهً قوامها زوجُ شيعي وزوجةُ سنية مصوراً ارتباطهم على أنه ملحمةٌ غير عادية (!!!) ولازال يذّكرنا - كل يوم تقريباً- في مقالاته بتلك الإعانة !!!
والشاهد أننا – كإعلاميين- يتسنى لنا دوما عرض حالات إنسانية ومساعدتها.. وتمتهن الجمعيات الخيرية ذلك الدور يوميا.. وينهض أهل الخير ببناء بيوت بأكملها وتعليم وعلاج المئات كل عام.. ورغم ذاك لا أذكر أني سمعت بمن تاجر ، بهذا الشكل الفج والمهين، بمساعدة إنسانية قدمها. والآن وقد أعلن " الحزب" عن مشروع تقديم مكيفات للأسر المحرومة؛ لا ندري هل سيقيمون احتفالية بتوزيع كل مكيف على حده.. أم ستكون الاحتفالية هذه المرة " بالجملة " كالأعراس الجماعية..؟!
فسيد ضياء مصرٌ على عدم إسدال الستار على ملهاته الكبيرة؛ رغم ضجر الجمهور وانفضاضه عنها..!!
على كلٌ لسنا هنا لنناقش الموسوي كشخص ، فحياته وما يلبسه وما يخلعه لا يعنينا، بل نناقشه كنموذج مؤسف لشرذمةً من الطموحين الذين وجدوا في المعارضة حصان طروادة ؛ فاختبئوا داخل آلام الناس واستخدموا ثقتهم لاختراق حصن السلطة.. ورغم أن قلةٌ هؤلاء مقارنةً بالقابضين على جمر مبادئهم؛ إلا أن خيبة الناس فيهم زرعت شوك الشك في عيون الجماهير التي باتت تخاف أن تثق؛ فتُحبط وتُخذل من جديد..
بيد أننا لو أمعنا النظر فسنجد أن ما حدث مع الرجل لم يكن مفاجأة حقاً.. فالموسوي ؛ كما يكرر دوماً؛ سليل بيئة معوزة – وما في ذلك ما يُعيب- لذا فإن إطروحاته النارية ؛ التي استخدم فيها موهبته الاستثنائية في مراقصة الكلمات ؛ كانت تعبر عن وجعه الشخصي وصراعه مع القهر والبطالة والفقر.. فلما داوت العطايا جروح فاقته و " بهـّرت" توابل الرفاهية أيامه ؛ تحولت مقالاته من الحديث عن " الظلم والخبز والمشانق" ؛ للحديث عن "العصافير والياسمين والسكر".. مصداقا للشاعر الذي قال :
صلى المصلي لأمر كان يطلبه .... فلما قضى الأمر لا صلى ولا صامَ !!
****
العتب الحقيقي على الموسوي ، لا في أنه أختطف الجزرة لما لاحت له ، بل في أنه لم يكتف بالمناصب والعز بل ظل جائعاً للأضواء متعطشاً للانتباه - فبدل بضاعته- عوضا عن غلق الدكان.. فاستخدم زُخرف كلماته وعباراته الأنيقة – مجدداً- ليقنعنا أن العيب فينا معلقاً وزر خيباتنا على شماعة عقولنا التي لا تستطيع أن " تُحلق وترقص الباليه وتستمتع بغناء البلبل" ورامياً بإثم إحباطاتنا الوطنية على السياسة داعياً إيانا " للخروج من شرانقنا" و" مقاتلة العالم بالورود" وغيرها من الترهات التي يحاول عبرها تضليل الأسباب الحقيقية لما نعيش. بذلك هو أشبه ما يكون بمن لديه عليلٌ تقيّح جسده من المرض وفاحت منه ريحٌ نتنه فقرر مواجهتها " بسلاح العطور الفرنسية" لإخفاء الرائحة ؛ عوضاً عن تشخيص العلةً ومعالجتها..!!
وسط كل هذا يجهل - أو يتجاهل- صاحبنا ؛ الذي أسس في البدء مركز الحوار مع الأديان وهاهو ينشئ حزب الإنسان وربما ينشئ في المستقبل مشاريع " استحلاب" أخرى..بأن الورقة التي تحترق؛ لا تعود خضراء كما كانت.. وأنه ؛ وإن أصطف في خانة الكتّاب الليبراليين والحكوميين؛ فقد يتقبل منهم بقبول حسن ولكنه لن يُتقبل منه " شعبياً نعني".. فالناس لا تقبل تحول إمام مسجد ، ومعارض شرس، لعازف عود " واخترنا العود تحنّنا" وهذا واقع لا يملك تغييره - لسوء طالعه- أحد !!
ختاما؛ له ولعموم المعارضين الذين يخططون لاقتحام "طروادة" بمعية حصان المعارضة نقول:
قد يدخلكم الحصان الخشبي الحصن.. ولكنه لن يدخلكم التاريخ.. فلا ترهقونا - وترهقوا أنفسكم- بالمحاولة !!